تطرف «داعش» وسواه

من الأمور المحيرة فعلا، حالة الانقلاب التي تحصل في أذهان بعض من يهاجرون إلى الغرب. إذ يجدون أنفسهم في مواجهة وصراع مع القيم التي يحملونها والقيم التي يعايشونها. عرضت الـBBC حلقة الإثنين الماضي من برنامج نقطة حوار كانت تناقش قضايا النساء العربيات في المجتمعات الغربية. الآراء جاءت متباينة بين الاندماج والانكفاء.
وتشهد المجتمعات الغربية بين فينة وأخرى حالات صدام يفرزها التباين في التقاليد التي يجلبها المهاجر معه، والقيم والقوانين التي تسود تلك المجتمعات. حالة الغربة تلك أدت إلى انحياز بعض هذه الفئات للغلو والعنف. وقد يتبع ذلك الانخراط في داعش والقاعدة وسواهما. لكن حتى من لم ينخرط منهم في هذه التنظيمات كان تحت ضغط الاندماج الكامل في المجتمع، أو العزلة. وهذا لا يختلف مع أولئك الذين يستقطبهم داعش في المجتمعات العربية.
وسط كل ذلك تظهر حادثة الإثنين الماضي، التي تخص الطالب الصومالي علي أرتان الذي يبدو أنه يعاني اضطرابا، إذ سبق أن صرح لصحيفة جامعة أوهايو التي استهدفها بهجومه “لطالما أردت الصلاة في العلن داخل جامعتي، ولكن أخاف على سلامتي كإنسان مسلم”. مثل هذا الشعور يبدو أنه أفضى إلى الاعتداء الذي أسفر عن إزهاق حياة تسعة أشخاص. هذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة. وهو بالمناسبة لا يقتصر على الغرب، فالشعور بالاغتراب، باعتباره من الأمراض النفسية، يجعل نماذج داعش تتشكل بمنتهى الهدوء، ذلك أن وجود شخص يعاني المرض، ولا يجد من يشفي أوجاعه، بتقديم إجابات مقنعة له، تجعله يتحول إلى صيد سهل للمجرمين الدواعش ومن يصف معهم في ذات الخندق. ومن الغريب أن خندق الغلو والتطرف يبدأ في التشكل، دون أن يكون للتدين الحقيقي أي مكان في داخل تلك النفوس المريضة. ففي المشهدين المحلي والعربي، نرى أن عددا كبيرا من القتلة والمجرمين ـ وفي مقدمتهم المدعو أبو بكر البغدادي ـ كانت نشأتهم تتسم بكثير من الضياع والاضطراب، قبل أن تنتقل إلى أقصى درجات الغلو والإجرام.
من المؤسف أن طروحات اليمين المتطرف في الغرب، بدأت تحقق نجاحا مع تزايد المشاعر السلبية تجاه ما يسمى بالإسلاموفوبيا. والشيء اللافت أن داعش وبقية قوى الشر تعمل على تحقيق ذلك، لأنها تؤمن بحتمية الصدام .وهي تسعى لملء الفراغات في كل مكان يعاني الفوضى. هذا التحدي يتطلب نظرة عربية وعالمية، تسعى لقراءة الصورة بمعطيات تقدم العلاج الناجع للتطرف من جميع الجهات، وليس تطرف داعش فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي