التجارة عبر الإنترنت والاتفاقية المنتظرة

يبدو واضحا تأخر الحراك التجاري العالمي في مجال اللوائح والأنظمة والقوانين والقيود وغير ذلك حيال التجارة الإلكترونية. ويرى البعض أن هذا النوع من التجارة لم ينضج بعد لكي يحظى بالتشريعات المحكمة التي تماثل تلك الخاصة بالتجارة بوسائل التجارة الأخرى. والحق أن هذه الرؤية خاطئة، لأن معدل نمو التجارة الإلكترونية يرتفع بصورة كبيرة منذ عدة سنوات، وقد انضمت أسواق (حتى في البلدان الأقل تقدما والمتأخرة إلكترونيا) إلى عالم تجارة الإنترنت في السنوات المشار إليها. ويرتفع عدد المنصات التجارية الإلكترونية حول العالم على مدار الساعة. بل إن مناطق إقليمية محددة باتت تمثل منطلقا لهذه التجارة، لأنها تقدمت بخطوة إضافية في هذا المجال. ببساطة التجارة عبر الإنترنت لم تعد تجارة جديدة، ولا هي أقل نضوجا من غيرها، خصوصا مع تطور الأدوات المساندة لها.
منظمة التجارة العالمية عرفت هذه الحقائق بالطبع، ولهذه الأسباب تضع مسألة التشريعات واللوائح التنظيمية لتجارة الإنترنت. بمعنى أنها تتحرك بالفعل صوب الوصول إلى اتفاقية عالمية شاملة تحكم التجارة عبر الإنترنت. ولأن الأمر بات ملحا أكثر من أي وقت مضى، فقد وضعت هذا الأمر على رأس الأولويات في مؤتمرها الوزاري الـ 11 الذي ينعقد الشهر المقبل في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. ورغم حقيقة الوضع، إلا أن المشرعين الذين يعملون في هذا الاتجاه لن يبدأوا من الصفر، لأن هناك بالفعل تشريعات ولوائح تنظيمية يمكن البناء عليها، وتطوير الآليات اللازمة. وهذا الأمر على وجه الخصوص، سيساعد على الوصول إلى الأهداف بالسرعة المطلوبة، إلى جانب (طبعا) القضايا الأخرى التي تتعلق بالتشريعات، ولا سيما تلك المتصلة بالدعم الحكومي لعدد من القطاعات حول العالم، مثل معونات الصيد البحري والزراعة وغير ذلك.
ولأن المسألة تكاد تكون شبه جديدة، فإن موضوع الاتفاقية الخاصة بالتجارة الإلكترونية ومتعلقاتها، تستحوذ على الحراك التحضيري الأكبر للمؤتمر الدولي المشار إليه. وهذه الاتفاقية لا تخص الماضي والمستقبل، بل تختص بالمستقبل حقا، لأن التجارة الإلكترونية تشهد تطورا جديدا باستمرار، وبالتالي تعين النظر إليها من ناحية تنظيمية أكثر إحكاما وتعاونا دوليا، يحاكي الاتصال العالمي المتشابك في كل المجالات الإلكترونية. ولهذا السبب وضعت الاتفاقية ـــ المعاهدة المزمعة في المرتبة الأولى لتأتي بعدها القضايا الأخرى، بما فيها تلك المرتبطة مباشرة بالإنتاج الزراعي والتعاطي مع الثروات الطبيعية وغير ذلك. دون أن ننسى، أن منظمة التجارة العالمية ليست متفقة كلها فيما بينها على الأولويات. فبعض البلدان تعتقد أنه من الضروري التركيز على القضايا القديمة المتجددة وليس القضايا الجديدة كمسألة التجارة عبر الإنترنت، خصوصا أن هذه البلدان (المعترضة) لا تتمتع بالقدرة الإلكترونية التي تبشر بعالم تجاري إلكتروني فيها متسارع ومتعاظم القيمة والحراك. غير أن الأمر لا يتعلق بالبلدان المنضوية تحت لواء المنظمة كل على حدة، خصوصا أن التجارة الإلكترونية ليست مقتصرة على بلد أو حتى قارة. والحق، أن خدمات الإنترنت باتت تنتشر بصورة كبيرة حتى في الدول الأشد فقرا، وأن التشريعات التي ستتضمنها الاتفاقية المزمعة، ستسهم في مواجهة مشكلات قد تظهر مستقبلا، ما يخفف الأضرار الناتجة عنها.
إنها ببساطة تجارة تتجه لأن تفوق تماما قيمة وحكم التجارة العالمية التقليدية، والأمر كله يتعلق بالوقت وهذا الوقت يشهد سرعة بالغة، جراء التطور التكنولوجي الهائل، وارتفاع مستويات التعليم في غالبية بلدان العالم، والأهم ازدياد حجم شبكة الربط الاجتماعي والتسويقي الإلكتروني العالمي، سواء بصورة تلقائية، أو بشكل منظم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي