بالأمن تنهض الأمم

«الأمن في الأوطان من أجلّ النعم، فلا تنمية ولا علم ولا حضارة بلا أمن»، هذه العبارة التاريخية الخالدة التي جاءت في كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال تشريفه لحفل استقبال أهالي محافظة الأحساء في قصر هجر، تلخص كثيرا من المفاهيم الاجتماعية والحضارية وتصور مسيرة المملكة العربية السعودية خلال ما يزيد على قرن من الزمان وقد لامست هذه الكلمات مشاعر أبناء الوطن جميعا. فالحضارة والتنمية لا يمكن تحقيقهما إلا في ظل الأمن. ولقد مضت سنة الله على خلقه بأن الحضارة وعمران الأرض وازدهار التجارة لن تقوم بلا أمن وقد جاء القرآن الكريم ليؤكد هذه الحقيقة، ففي سورة قريش يذكرهم الله جل وعلا برحلتي الشتاء والصيف وهي أهم المظاهر الحضارية لديهم، ثم امتن الله عليهم بالأمن من الخوف، إذ لولا الأمن لما استطاعوا إنجاز رحلاتهم ومد حضارتهم. فالترابط بين الأمن والحضارة لا ينفك ولا يمكن لأي بلد أن يحقق ما يصبو إليه من ترقٍ إلا من خلال تثبيت دعائم الأمن أولا، وهذه الحقيقة قد أدركها الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود رحمه الله، فعندما تأمل حال الجزيرة العربية وما فيها من أمراض وجهل وتخلف وربط بين ذلك وما بين القبائل من تناحر وكيف تقطع الطرق ويسرق الحاج، عرف أن سر بناء النهضة يأتي أولا من الأمن، فبدأ بذلك ووحد البلاد وأمن الناس حتى الحاج على نفسه وماله وعرضه، فسرت رعشة الحياة في عروق الشعاب والصحاري والأودية ونهضت البلاد من غفوتها التي امتدت إلى قرون، وجاء اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في واحدة من أعز مناطق المملكة -وكلها عزيزة- ليدشن المشاريع الحضارية الضخمة جدا، ولكن بعدما أرسيت قواعد الأمن وسرت بين الناس.
هكذا نفهم عبارات خادم الحرمين الشريفين الخالدة التي بدأ بها خطابه، وبينما يفتتح ويدشن المشاريع الاقتصادية العظيمة والحضارية الكبرى ويفتتح الآبار النفطية الضخمة جدا ويعزز من ثروة واقتصاد الوطن فإن الحقيقة تظل هي الحقيقة فالأمن في الأوطان من أجل النعم، فلا تنمية ولا علم ولا حضارة بلا أمن، ونفهم لماذا الملك سلمان هو ملك الحزم، ذلك أن المحافظة على كل المكتسبات الحضارية التي أنجزها الآباء والأجداد لن تتحقق ولن تظل كما هي ولن نستطيع استكمال البناء والمضي قدما في العمل الحضاري إذا لم نقف كالبنيان المرصوص في وجه العابثين بأمن هذه البلاد، وكما قال الملك سلمان رعاه الله، فالمملكة ولله الحمد والمنة منذ تأسيسها إلى اليوم تسير بكل ثبات على خطى النمو والتطور مع التمسك بعقيدتها وثوابتها، ولكن تحقيق رؤى المستقبل يرتكز على المحافظة على هذه النعم. وكما قال الشاعر:
مَتى يَبلُغ البُنيــانُ يَـوماً تَمامَه
إذا كُنــت تَبنيهِ وَغَيرك يَهـــدِم
فلا تمام لبنيان بينما هناك من يعبث بقواعده، ولن نصل إلى قمة الهرم الحضاري بما يليق بنا كأمة مسلمة دون أن نتكاتف جميعا ونحافظ على هذه الإنجازات الضخمة ونقف بالمرصاد لكل من يعبث بها أو يفسد فيها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي