ركود قطاع النفط والغاز يضرب استثمارات الطاقة
انخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعي على مدى العامين الماضيين أدى إلى خفض الإنفاق على المشاريع الاستخراجية (المنبع) بنحو 300 مليار دولار، وتتزايد المخاوف الآن بشأن مستقبل إمدادات الطاقة، مع عدم وجود دلائل مشجعة على انتعاش الإنفاق في العام المقبل.
في العام الماضي، كان حجم الركود في استثمارات النفط والغاز السبب الرئيس وراء تراجع الإنفاق العالمي على مشاريع الطاقة إلى 1.8 تريليون دولار، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2010 وأقل بنحو 8 في المائة مما كان عليه في عام 2014، استنادا إلى تقرير جديد صدر عن وكالة الطاقة الدولية أخيرا بخصوص "الاستثمار العالمي في مجال الطاقة". حدث هذا التراجع على الرغم من ارتفاع الاستثمارات في مجال تحسين كفاءة الطاقة بنسبة 6 في المائة في العام الماضي مقارنة بعام 2014 لتصل إلى 221 مليار دولار، وارتفاع الإنفاق على قطاع توليد الطاقة الكهربائية بنسبة 4 في المائة ليصل إلى مستوى قياسي جديد عند 682 مليار دولار. في حين أن الاستثمار في المشاريع الاستخراجية للنفط والغاز تراجع في العام الماضي بنسبة 25 في المائة إلى 584 مليار دولار بعد أن كان قد وصل إلى ذروته في عام 2014 عند 780 مليار دولار. ومن المرجح أن ينخفض أيضا في هذا العام بنسبة 24 في المائة، إلى نحو 450 مليار دولار.
في هذا الصدد، قالت وكالة الطاقة الدولية إن الصناعة النفطية لم تشهد تراجعا في الإنفاق على المشاريع الاستخراجية على مدى عامين متتاليين منذ 40 عاما. وأضافت الوكالة، أن الشرق الأوسط وروسيا يمثلان المناطق الأكثر مرونة في الاستثمار، بقيادة شركات النفط الوطنية وصل حجم الاستثمار فيها إلى مستوى قياسي بنسبة 44 في المائة من الإنفاق العالمي على مشاريع المنبع، في حين شهدت تشكيلات النفط الصخري وغيرها من المناطق العالية التكلفة في أمريكا الشمالية أكبر التخفيضات، حسب تقرير الوكالة.
في الحقيقة، تراجع الاستثمار في قطاع النفط والغاز كان يمكن أن يكون أكثر من ذلك بكثير، لكون منتجي النفط والغاز يسعون دائما في المقام الأول إلى تعويض الانخفاض الطبيعي في الإنتاج للحفاظ على أسواقهم المحلية والعالمية ولضمان أمن الإمدادات للمستهلكين. في هذا الصدد، تقول الوكالة إن 40 في المائة من استثمارات النفط والغاز في عام 2015 ذهبت لهذا الغرض.
يمثل خفض التكاليف وتحسين الكفاءة ما يقرب من ثلثي الانخفاض العالمي في الإنفاق على المشاريع الاستخراجية، والثلث الباقي هو نتيجة انخفاض نشاط التنقيب والإنتاج. مستوى الاستثمار الحالي قد لا يكون كافيا للحفاظ على إنتاج النفط والغاز. في هذا الصدد تتوقع الوكالة أن تشهد الأسواق تشددا في السنوات القليلة القادمة. من ناحية أسواق النفط، من المتوقع أن تشهد إعادة توازن ثم تتشدد على المدى المتوسط نتيجة لانخفاض الاستثمارات وارتفاع الطلب، في حين أن في أسواق الغاز من المرجح أن تظل الإمدادات كافية لفترة أطول.
من ناحية التكاليف، تقدر وكالة الطاقة الدولية أن تكاليف المواد الأولية انخفضت بنسبة 15 في المائة في العام الماضي، ومن المرجح أن تشهد مزيدا من الانخفاض في عام 2016 يصل إلى 17 في المائة. ولكن هذا المستوى من خفض التكاليف قد لا يكون مستداما، لأن الكثير من التخفيضات تم بدافع خفض الوظائف، وإعادة استخدام المعدات بدلا من الطلبيات الجديدة، وأيضا نتيجة تراجع تكاليف قطاع الخدمات النفطية.
من ناحية مصادر الطاقة المتجددة، لقد بلغت الاستثمارات العالمية في عام 2015 في هذه المصادر نحو 300 مليار دولار، أو نحو 17 في المائة من مجموع استثمارات الطاقة. في هذا الصدد، تقول الوكالة إن حصة مصادر الطاقة المتجددة تنمو بشدة، وهذا يمثل تحولا كبيرا في اتجاهات الاستثمار في الطاقة العالمية. في العام الماضي، كانت الصين أكبر مستثمر في إمدادات الطاقة، متجاوزة الولايات المتحدة بعد ثلاث سنوات عندما تمتعت هذه الأخيرة باستثمارات عالية في مجال النفط والغاز بفضل طفرة الصخر الزيتي. أكبر قطاع من الاستثمار في الصين هو الطاقة المتجددة. وفي قطاع توليد الطاقة الكهربائية عموما، تفوقت الصين بشكل كبير على الولايات المتحدة على مدى السنوات العشر الماضية.
وتقول وكالة الطاقة، على الصناعة النفطية مواجهة التحدي المتمثل في ارتفاع الاستثمارات في الطاقة المتجددة خارج قطاع توليد الطاقة الكهربائية. بالفعل، بدأ عديد من شركات النفط في النظر في فرص الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، فهي أفضل في رؤية أين تكمن فرص الاستثمار الجيدة في المستقبل. ولكن الطاقة المتجددة لديها طريق لتقطعه قبل أن تشكل تحديا للنفط في قطاع النقل. في هذا الصدد، تقول الوكالة إن عدد السيارات الكهربائية المبيعة في العام الماضي يزيح فقط 0.01 من إنتاج النفط العالمي.
وفي مجال البيئة، تحذر وكالة الطاقة الدولية من أن الاستثمار في الطاقة لا يتفق مع التحول إلى نظام منخفض الكربون، على النحو المتوخى في اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ التي تم التوصل إليها في باريس في العام الماضي. وتضيف الوكالة، أنه على الرغم من أن الاستثمارات في مجال طاقة الرياح، الطاقة الشمسية الضوئية والمركبات الكهربائية بصورة عامة على المسار المتفق عليه للحد من الزيادة في درجات الحرارة العالمية إلى درجتين مئويتين، إلا أن الاستثمار في التكنولوجيات منخفضة الكربون الأخرى، مثل التقاط الكربون وخزنه، آخذة في التراجع.