سلاسل القيمة المضافة الصناعية

بناء أي قطاع أو نشاط اقتصادي يعتمد في الأساس على سلسلة القيمة المضافة لهذه الصناعة، مهما كان ناتج هذا النشاط، صناعي أو خدماتي أو حتى عقاري. ولذلك نجد أن فلسفة الشركات والمنشآت تقوم في أساسها على تحديد موقعها من سلسلة القيمة المضافة للنشاط. فهي بذلك تعرف حدودها لتتمكن من التركيز على نشاطها بشكل دقيق. وقلما نجد منشآت تعمل في كامل سلسلة القيمة المضافة أو حتى في أجزاء متعددة منها، إلا إن كان ذلك ضرورة حتمية للنشاط، مثل صناعة الألبان التي تتطلب القيام بتربية الماشية إلى جانب التعليب. هذا ينطبق على أسنان التروس، وهي المنشآت والشركات العاملة في النشاط، أما بالنسبة للتروس، فإنها تمثل قاعدة الاقتصاد الوطني. وحتى يتمكن الاقتصاد ككل، أو جزء منه من التطور بشكل طبيعي، فمن الضروري النظر في كامل سلسلة القيمة المضافة للصناعة والمنتج على حد سواء، والعمل على الارتقاء بكل حلقة في السلسلة.
ذكرت في المقال السابق كيف أن النهضة الصناعية في المملكة عملت على تطوير عدة سلاسل للقيمة المضافة لمنتجات أساسها النفط. وكيف أن المرحلة التالية تتطلب تطوير بقية حلقات السلاسل، وخصوصا تلك التي تعمل على إنتاج البلاستيكيات المتخصصة. أخص هذه المنتجات لأن القيمة المضافة التي تبذلها مصانع البتروكيماويات السعودية عالية القيمة ولديها مساحة كبيرة قابلة للاستغلال بشكل أفضل. ولكن قبل المضي في تطوير هذه السلسلة، من الضروري تحديد الأهداف بشكل دقيق. فقد تعمل هذه الصناعة على توفير بعض الوظائف، إنما لن تكون أبدا محركا لتوليد الوظائف نظرا لاعتمادها بشكل كبير على الآليات والمصانع الكبيرة بدلا من اليد العاملة، وهو ما يجعلها ميزة تنافسية مهمة. فلو كانت تعتمد على اليد العاملة لما تمكنا من منافسة الصين ودول جنوب آسيا. وحتى لو أردنا ذلك باستقدام العمالة الرخيصة، فإن التكلفة الاقتصادية الاجتماعية غير مبررة.
أهمية التركيز على البلاستيكيات المتخصصة تكمن في أنها أحد أهم المدخلات في كل المنتجات التي نستعملها بشكل يومي. فهي إلى جانب المعادن والألياف الزجاجية والإلكترونيات تشكل معظم المنتجات من حولنا. كما أنها تؤسس لحلقات جديدة في سلاسل قيمة مضافة لمنتجات متعددة، بعكس صناعات التجميع والصناعات الاستهلاكية الخفيفة. فالصناعات الأخيرة التي امتلأت مدننا الصناعية بها ليست إلا صناعات مرحلية لا تتضافر مع باقي الصناعات ولا مجال فيها للتطوير. وحتى نطور صناعة البلاستيكيات والقاعدة الصناعية بشكل عام، لا بد لنا من الاستثمار في تقنيات الإلكترونيات والبرمجيات. فهي الحلقات التي يمكنها أن تتضافر مع سلاسل القيمة المضافة المؤسس لها اليوم لتولد لنا صناعات لمنتجات جديدة، وبالتالي نقلة صناعية نوعية. ليس بالضرورة أن تكون المنتجات جديدة كليا، فالبدء من حيث انتهى الآخرون مكسب أيضا. ثم لن تلبث الصناعة الجديدة بالاستثمار في مجالات البحث والتطوير والتصميم لتعزيز قدراتها الابتكارية. هذه المرحلة هي التي ستعمل على توليد أعداد كبيرة من الوظائف، ولكن لنتمكن من الوصول إليها، علينا دعم كل حلقة في السلسلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي