كارثة التوأم .. العلاج يبدأ من التعليم
كارثة التوأم اللذان ذهبا إلى "داعش" ثم عادا وهم مدجنان بأفكار القتل والنحر لأقرب وأعز الناس، هذه الكارثة التي هزت أوصال المجتمع السعودي في الأسبوع قبل الماضي في أمس الحاجة إلى مراجعة وتحليل حتى لا تصبح مقدمة لحوادث بشعة ودامية لم يألفها المجتمع السعودي من قبل.
إن تدجين عقول الصبية الصغار بأفكار النحر والقتل لا يمكن أن تكون صنيعة من "داعش" فحسب، بل إن الطفلين التوأم اللذين غرر بهما من قبل "داعش" ذهبا إلى "داعش" وهما على استعداد تام لاستيعاب دروس الشر وتنفيذها في أقرب أو أبعد الناس لهما، وهو ما حدث مع الأسف الشديد.
إن كثيرا من المقررات الدينية تموج بالسطحية إلى درجة يمكن إدخال تفسيرات مغلوطة إليها بسهولة.
بمعنى أننا يجب أن نعيد النظر في المقررات المدرسية والمقررات التربوية، وبالذات في المقررات الدينية.
والواقع أن الدين الذي ندين به في المملكة العربية السعودية هو دين الوسطية كما أكد ذلك خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أما الغلو والتطرف، فهو دخيل على الإسلام الوسطي المعتدل السليم.
إن تسييل ونشر الإسلام الوسطي هو من أهم ركائز إصلاح الخطاب الديني الذي نعنيه، كما أن مبدأ "التعددية" من أهم القضايا التي يجب طرحها بأسلوب يقوم على قبول الآخر، ولفظ مبدأ الإقصاء، كذلك فإن مفهوم الجهاد يجب أن يعلم على صحيحه وسليمه بما يحقق المصالح العليا للأمة.
ولقد تلمس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الجرح الغائر في الجسد السعودي حينما قال: إننا في المملكة العربية السعودية نؤمن بالوسطية والاعتدال والتعددية والتنوع، ونعترف بأن هناك سنة وشيعة، وكل أطياف الشعب السعودي سواء بسواء أمام القانون، ولا فرق بين سني وشيعي، ولقد طرح الوسطية والتعددية كخيار مختار، وقال إنه ضد الإقصاء، لأن الشعب السعودي جسد واحد في مملكة تطبق مبادئ العدالة والمساواة.
هذه المبادئ التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حينما تسلم سدة الحكم قبل عام ونيف يجب أن تكون نقطة الانطلاق إلى مشروع إصلاح الخطاب الديني بعيدا عن الإغواء، وبعيدا عن التعصب وإهدار وإنكار حقوق الآخر.
ويجب أن نبدأ عمليات إصلاح الخطاب الديني من المقررات المدرسية، فالمقررات القائمة يسهل تحويرها واختراقها والتلاعب في مفرداتها.
ونضيف أن تأهيل المواطن لن يكون عبر المقررات الدراسية فحسب، بل يجب أن يمر الطالب عبر منظومة كاملة من التربية والتعليم، تبدأ من التربية المنزلية، ثم المقررات الدراسية وحتى الأندية والرفقاء.
ويجب أن تكون المنظومة متناغمة ليس فيها أي لون من ألوان النشاز حتى لا ينحرف المواطن في أي محطة من محطات منظومة تأهيله وتربيته كمواطن صالح ومصلح.
إن تربية المواطن وتأهيله كي يكون مواطنا صالحا في الزمن الذي نعيشه مسؤولية كبيرة وليست مجرد مدرسة تغذي الطالب بمقررات دراسية محنطة، بل إن تربية الطالب تبدأ من بناء سلوكياته وحتى بناء عقله وفكره حتى يصبح جاهزا للإسهام في بناء الوطن.
إذن واجبنا أن ننقي المناهج في جميع المدارس والمعاهد من الغلو والتطرف، وواجبنا هو أن نعلم أبناءنا الدين الوسطي المتوازن الذي يحمي المجتمع من الغلو والإرهاب.
إن تطوير التعليم الديني مطلب يجب أن نباشره على وجه السرعة، حتى لا نقدم أبناءنا إلى "داعش" ــ وغيرها من المنظمات الإرهابية ــ لقمة سائغة يلوكونها كما يريدون.
يجب أن نغذي الطالب السعودي بالعلوم الدينية المتوازنة التي تجعله يقف في وجه "داعش" لا أن يوافق "داعش" على كل ما تقول وتملي.
جميل جدا أن يطالب رئيس لجنة الشؤون الأمنية في مجلس الشورى عبد الله بن عبد الكريم السعدون وزارة التعليم بالسعي إلى تطوير شامل للمناهج المدرسية، ولكن يبدو أن مجلس الشورى بدأ متأخرا، إذ إن هذا المطلب كان يجب أن يطرح منذ زمن بعيد.
ولكن يبدو أن رؤية المملكة 2030 سوف تعالج كثيرا من المشاكل التي يعانيها المجتمع السعودي، لأن الرؤية ترى أن تطوير التعليم هو نقطة الارتكاز في الإصلاح وإعادة البناء.
إن الدين الإسلامي الوسطي يفرز الشخصية الإسلامية الوسطية المتوازنة البناءة التي لا تقبل بالغلو والتطرف، وتطلب الاعتدال والتوازن.
والإنسان حينما يكون وسطيا متوازنا، فإنه الأقدر على التعامل مع الأحداث المحيطة به بشيء كبير من الحيطة والحذر.
والمسلمون في ظروفهم التي يعيشونها حاليا في أمس الحاجة إلى إعلاء شأن الوسطية، لأن المنظمات التي تحارب الإسلام نجحت في إرسال رسائلها ضد إسلامنا الحنيف الذي بات يعرف ــ مع الأسف ــ بدين التطرف والإرهاب.
إن الإسلام يحتاج في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى إلى بناء الشخصية الإسلامية السلمية السوية التي تخوض معركة الدفاع عن الإسلام بكياسة وإلماعية.