كبار المفكرين والتشكيليين العالميين .. يكتبون عن جدة

لسنا نحن "الجدادوة" لوحدنا نهيم في حب جدة، فهناك كبار الفنانين التشكيليين العالميين داعبوا بريشهم المرهفة ميادين جدة ومنابرها ومساجدها وأزقتها وحواريها وتغنوا بعبقريات جدة أجمعين، وملأوها أشكالا وأنغاما، فمثلا الفنان التشكيلي العالمي سيزار الذي غرد في جدة ورسم في ميادينها العين، والقبضة، والبنان، وهذه المجسمات تحتل أهم وأجمل ميادين جدة، وكذلك الفنان العالمي فارسيلي صاحب تشكيل المفروكة، وهي من أجمل ما أبدعته أنامل فنان، ومن ناحيته فقد أبدع الفنان العالمي جيوفاني في رسم الطيور وصيد البحر وشجر الصبار، أما الفنان العالمي الكبير لافونتي، فقد هام في جدة وأقام فيها ولم يبرحها إلا بعد أن أهداها أجمل تشكيلاتها الجمالية المبهرة، بل أجمل وأرقى التشكيلات الجمالية في مدن العالم، ومنها، السنابيك والشراع التي زينت بأشعار الشاعرين أحمد قنديل وحمزة شحاتة، كذلك المشكاوات، والشراب، والكرة الأرضية، واتجاه القبلة، والكنداسة، والبسكليتة، وتصادم السيارات، وغيرها من مشروعات تنسيق المواقع وبناء النوافير وتجميل الميادين.
أما الفنانون العرب فقد كانوا كوكبة من أمثال صلاح عبدالكريم صاحب المآذن المملوكية، وبأس الحديد، والتضامن، والمزهريات، والمقرنصات، والسنابل السبع.
كذلك أسهمت أنامل وريش الفنانين السعوديين في تجميل ميادين جدة ومنابرها ومساجدها وبيوتها الذكية، ومن الفنانين الذين زينوا جدة عبدالحليم رضوي وضياء عزيز ضياء وصفية بن زقر وغيرهم.
ولذلك تعد جدة مرسما كبيرا لعقول كبار الفنانين التشكيليين الذين دبجت أناملهم ومشاعرهم أجمل اللوحات والأشكال.
أما بالنسبة للكتاب العالميين الذين كتبوا عن جدة المحبوبة فهم كثر ويأتي في مقدمتهم عبدالله فيلبي الذي ألف عن المناطق الأثرية في المملكة وخص جدة بكثير من المقالات، بل أقام في جدة وأسس مكتبه التجاري فيها، وظل يعيش فيها ولم يبرحها وما زال بيته في جدة في حوزة ورثة فيلبي.
كذلك من القامات الكبيرة التي كتبت عن جدة الروائي الفرنسي الكبير فيكتور هوجو في مؤلفه المعروف باسم الأرز، كما أن جدة الموحية أوحت إلى الموسيقار المعروف انطونيو بيرناردي سيمفونيته الشهيرة سوناتا التي عزفها على البيانو باسم جدة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وردت مدينة جدة كثيرا في كتب الرحالة العرب والأجانب، فقد وصفها محمد بن أحمد البشاري المقدسي في القرن الرابع الهجري في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم بأنها مدينة حصينة عامرة آهلة أهلها أهل تجارات ويسر، ولهم بها قصور عجيبة وأزقتها مستقيمة وضعها حسن، ولكنها شديدة الحر جدا في الصيف وأهلها في تعب من شح المياه..
وكان تجار جدة على علاقة جيدة مع مصر قبل حفر قناة السويس، وكانوا يخزنون البضائع القادمة من الهند واليمن في السفن التي كانت عبارة عن مخازن عائمة، ثم يصدرونها إلى مصر عبر ميناء السويس.
ومن ناحيته أخرى فإن الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي كان يهيم بجدة الفاتنة وصف جدة في القرن الخامس الهجري بأنها مدينة جميلة محصورة في داخل سورها الحصين، كما لفت الانتباه إلى عدم وجود الأشجار والزرع بها على الرغم من ازدهارها العمراني، وعلل ناصر خسرو ذلك بندرة وجود الماء العذب بها، وقدر ناصر خسرو سكان مدينة جدة في القرن الخامس الهجري بخمسة آلاف نسمة، ووصف أسواقها بأنها نظيفة جدا ولها بابان ما يلي مكة، وباب البحر وكان أميرها تابعا لأمير مكة الذي تمتد سلطاته حتى المدينة المنورة.
أما الرحالة الأندلسي الشهير أبو جبير فقد جاء جدة وهي في ضنك، ولذلك وصفها بما يخالف وصف من سبقه من الرحالة، فقال، إن عمارتها الضخمة تحولت أكثرها إلى خصاص، أما أهلها الذين وصفوا بالثراء وكثرة المال فيصفهم بأنهم يستخدمون أنفسهم في كل مهنة لتحصيل لقمة العيش حتى ولو كانت المهن من المهن الوضيعة، فكان منهم من يكري الجمال، ومنهم من يبيع اللبن أو الماء للحجاج، وإذا لم يكن لأحدهم شيء ما ذكر فهو يلتقط التمر من الشوارع أو يحتطب الحطب من ضواحي البلد ويبيع ما جمع، وربما تناول نساؤهم الشريفات ذلك بأنفسهن.
كذلك فعل الرحالة الشهير ابن بطوطة الذي قدم إلى الحج في القرن الثامن الهجري ووصف جدة بما يشبه وصف ابن جبير فقال، إن سكان جدة قليل جدا بحيث لا يجتمع النصاب لصلاة الجمعة في بعض المساجد، وهي مبالغة من ابن بطوطة غير مقبولة، مهما قل عدد سكان جدة، ولكن ابن بطوطة لم يتجاهل مباني جدة وأسواقها وحواريها، بل ذكرها وأشاد بها على استحياء.
ويبدو واضحا أن جدة كانت لها مواسم تمر بها مثلها مثل أي مدينة في العالم، فإذا كانت في حالة رواج وازدهار اقتصادي، فإن الرحالة يصفون أحوالها الإيجابية بالمديح والثناء، أما إذا كانت جدة تعيش موسم ضنك أو كساد، فإن الرحالة يصفون أحوالها السلبية بما لا يسر أهلها.
مثلا، جدة في هذه الأيام تعيش في أحسن وأغنى وأجمل أحوالها، وها نحن نكتب عنها كما كتب ابن جبير وكما كتب ناصر خسرو وغيرهما من الرحالة ومن الفنانين التشكيليين والكتاب المنصفين الذين هاموا بجدة وأثروها بأجمل الكلمات واللوحات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي