الرياض وباريس وضوح العلاقة وتطابق الرؤى

أنهى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان زيارته المهمة لفرنسا، وفق الأطر التي تخدم مصالح المملكة وتعزز في الوقت نفسه التعاون مع بقية البلدان الأخرى، ولا سيما أن فرنسا تمثل شريكا عالي الجودة والقيمة في مختلف المجالات. فالجسور الموجودة بين الرياض وباريس قوية وثابتة وطويلة الأمد، كما أن التطورات العالمية المتلاحقة، بما في ذلك تلك الحاصلة في الشرق الأوسط، رفعت من أهمية تمتين العلاقات، ولا سيما في ظل اضطراب واضح ساد صنع القرار العالمي منذ ثماني سنوات تقريبا، ولم يعد أمام البلدان المحورية إلا اتخاذ زمام المبادرة بما يضمن الاستقرار العالمي على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ولعل من أبرز أوجه الترابط بين المملكة وفرنسا، أن نظرتيهما للتطورات متطابقتان، خصوصا فيما يتعلق بمستقبل المنطقة العربية، ما يعزز كل النتائج لحراكهما المشترك.
زيارة ولي ولي العهد لفرنسا، تأتي في ظل ورشة عمل هائلة لا تهدأ في المملكة، انطلقت في الواقع بإطلاق "رؤية المملكة 2030"، ومعها برنامج التحول، الذي حدد الأطر العامة لبناء اقتصاد سعودي وطني جديد. ولاقت "الرؤية" اهتماما بالغا على الساحة الدولية، ولا سيما في البلدان المحركة للاقتصاد العالمي، وفي مقدمتها فرنسا. وهذه الأخيرة - كما الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما - أبدت استعدادا لأن تكون جزءا رئيسا في تنفيذ الرؤية الاستراتيجية الكبرى، من خلال تدعيم ما هو قائم اقتصاديا وبناء شراكات جديدة تصب في الهدف الأول بالنسبة للمملكة، وهو التنمية المستدامة من أجل اقتصاد متنوع مستدام. ولأن السعودية تتمتع بسمعة اقتصادية قوية لم تتراجع حتى في ظل الهبوط الهائل لأسعار النفط في الأسواق العالمية، وجدت المؤسسات الاستثمارية في فرنسا وغيرها الفرصة لأن تدخل السوق السعودية.
ومن هنا أعطت زيارة الأمير محمد بن سلمان زخما جديدا للشراكات السعودية - الفرنسية، وبنت أسسا متجددة لشراكات أخرى تسير وفق الرؤية الاستراتيجية للمملكة. وهذا ما بدا واضحا من زخم الاهتمام الفرنسي بهذه الزيارة سياسيا واقتصاديا. فقد وجدت المؤسسات الفرنسية الفرصة مواتية لمزيد من الحراك الاستثماري، ليس فقط لما توفره "رؤية المملكة 2030" من فرص ومجالات واسعة، بل أيضا لأسباب تتعلق بالقوانين والتشريعات السعودية التي اتخذت في العامين الماضيين بشأن الاستثمارات الأجنبية في المملكة. الأبواب باتت مشرعة الآن لمن يرغب من المؤسسات في دخول السوق السعودية، على أن تكون مساهماتها ضمن النطاق الواسع للرؤية الاستراتيجية للبلاد. فالمشاريع كثيرة، من الصناعة إلى التجارة والسياحة والخدمات والنقل والبنى التحتية والطاقة والبيئة، وغير ذلك.
والمؤسسات الفرنسية عرفت تماما ما هو معروض، وكذلك العوائد المرتبطة بها، الأمر الذي دفع عديدا منها للإعلان رسميا عن نيتها الدخول للسوق السعودية، مستندة إلى آفاق الاستثمارات الهائلة والتسهيلات الممنوحة وفق الأطر الوطنية السعودية ككل. والثقة التي تتركها زيارة بهذا المستوى تتعزز أكثر فأكثر. كل حراك سعودي بات الآن مرتبطا بمستقبل بناء الاقتصاد الوطني المتنوع والمستدام، وهذا يتم وفق رؤية واضحة جدا وحاسمة في الوقت نفسه، ولا سيما مع وضع مواقيت محددة للإنجاز.
الأمير محمد بن سلمان، كان واضحا في مسألة معالجة القضايا المستفحلة في المنطقة، وطرح رؤيته السياسية بوضوح أشد، خصوصا فيما يتعلق بالملفين السوري والعراقي، والتدخلات الإيرانية الخبيثة في هذين البلدين والبلدان العربية الأخرى. وموقف فرنسا، متطابق في هذا المجال أيضا، فضلا عن التطابق الكبير أيضا في الحرب على الإرهاب. كانت زيارة الأمير محمد بن سلمان لفرنسا متكاملة من كل النواحي، وآثارها بدأت تظهر على الساحة حتى قبل أن تنتهي رسميا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي