توظيف الذكاء العاطفي في القيادة
من المتعارف عليه أن تجاهل الأزمات يعتبر أمرا سيئا، إلا أن محاولة القياديين دفع إرادة العاملين للاصطفاف خلفهم في محاولة منهم لمنع أو معالجة الحالات الطارئة، تعتبر من المسائل الأكثر خطورة التي يواجهونها اليوم. فالقيادة ليست بالجلوس حول طاولات المؤتمرات ووضع مبررات وخطط عمل بهدف إحداث تغيير استراتيجي قد يثبت فشله في تحقيق أهدافه في وقت لاحق. ففي مكان ما، وبطريقة أو بأخرى، نجد انعداما للتواصل بين أولئك الذين لديهم رؤية كبيرة وأولئك الذين تقع على عواتقهم مسؤولية تنفيذها، كما لو أن كلا الفريقين لا يعملان في المكان نفسه، أو حتى في الفريق ذاته.
قد يكون هذا النوع من الفشل في تنفيذ الاستراتيجية أكثر شيوعا وهو أمر يعترف به معظم التنفيذيين. فالتفكير والمنطق الواضح باستطاعته رسم المسار للوصول إلى قمة النجاح، ولكن الالتزام والشجاعة بتحدي المخاطر ينبع من القلب فقط. إن كثيرا من القياديين اكتشفوا أن الوعود الشفوية لا تعني الكثير عندما لا تكون مدعومة بالارتباط الوجداني الجماعي.
هناك مجموعة كبيرة من المؤلفات حول "الذكاء العاطفي" تقدم نصائح حول كيفية إلهام القياديين للآخرين بشكل منفرد أو كمجموعة صغيرة. ولكن إيجاد تأثير يلهم الآخرين ويمكن لمسه من خلال مجموعات كبيرة يتطلب مع ذلك مهارات مختلفة.
هناك قادة ملهمون شكلوا التاريخ، مثل مارتن لوثر كنج الابن، من خلال بلورة قضيتهم إلى صرخة للملايين، ولكن الجزء الأكبر من الانتصارات السياسية أقل من أن يتعلق بالكاريزما، وأكثر منه أقوال وأفعال مدبرة بعناية. يمكن تحفيز مجموعات كبيرة من الناس عند رصد الدافع، كشيء أو شخص ما يقدرونه كثيرا، بقدر فرح الآلاف من عشاق الرياضة بفوز فريقهم حتى لو لم يحصلوا على أي مكاسب ملموسة، تعود عليهم شخصيا. أظهرت الأبحاث أن هذه الظاهرة الاجتماعية المعروفة بـ "العاطفة على مستوى المجموعة" ذات أهمية كبيرة في تنفيذ الاستراتيجية.
إدارة عواطف المجموعة له أهمية خاصة عند الأزمات، عندما يهيمن الشعور بالخوف على الناس لخوفهم من أن تزداد الأمور سوءا في المستقبل. ويسفر عن الخوف الجماعي شعور آخر بالقوة نفسها، لذا بدلا من محاولتهم الحديث عن خططهم للخروج من هذه المشكلة، يحتاج القادة إلى أن تتماشى أقوالهم مع أفعالهم، لإلهام المشاعر البناءة مثل العاطفة والأمل واحترام الذات.
تشير البحوث إلى أن القادة العظام بإمكانهم استخدام خمس ركائز لتطوير هذا النوع من رأس المال العاطفي داخل المؤسسات. لجعل المناقشة مادية قدر المستطاع سأستخدم كارلوس غصن وتحالف «رينو- نيسان» كمثال على ذلك. استثمرت «رينو» في عام 1999، أكثر من خمسة مليارات دولار للاستحواذ على حصة الأقلية في شركة صناعة السيارات اليابانية نيسان. كانت شركة نيسان مثقلة بالديون، وخطوط الإنتاج غير مربحة، وخسائر لأكثر من ستة أعوام خلال السنوات السبع السابقة. خشيت شركات صناعة السيارات الأخرى أن تتطرق للشركة، ويرجع ذلك جزئيا إلى تخوفها من مقاومة الشركة اليابانية للتغيير حتى في ظل الصعوبات المادية الخطيرة. زادت شكوك المراقبين الفروقات الثقافية الملموسة بين فرنسا واليابان حول الاستثمار، مع توقعات عديد بالفشل الذريع. اختارت الإدارة التنفيذية في شركة رينو كارلوس غصن لإدارة هذه العملية. وحدثت المعجزة في غضون ثلاث سنوات، حيث أصبحت نيسان شركة رابحة، ليس فقط من خلال خفض التكاليف ولكن أيضا من خلال قيامها بخطوات هائلة في مجال الابتكار.
في حال طلب من غصن شرح أسباب نجاحه، لكان على الأرجح أنه سيشير إلى أبرز أدوات التغيير التقليدية، مثل بناء الثقة والشفافية، ووضوح أهداف التغيير، وما إلى ذلك. وفيما يبدو ذلك منطقيا، فإن التفسيرات التحليلية تعطي مبررات بديهية، لكنها لا تفسر تماما أسباب نجاحه بشكل ساحق. ولإعطاء صورة أفضل عن كيفية نجاحه، سأبين كيف قام غصن ببراعة بتطبيق هذه الأدوات لاستنباط خمسة أنواع مختلفة من العواطف الجماعية : اصطفاف الفكر والفعل، والمشاعر. أدرك غصن أن محاولات البدء بالتغيير من بداية الهرم ستبوء بالفشل. وكان عليه أن يفتح قنوات اتصال غير تقليدية للنقد البناء. وبناء عليه قرر أن تعقد جميع اجتماعات الإدارة العليا، وأن يتم تحضير جميع التقارير باللغة الإنجليزية. لذا كان بإمكان هؤلاء القياديين أن يبدأوا من جديد على أرض محايدة. وبذلك، أعد غصن الطريق لمناقشة صريحة ومفتوحة في الاجتماعات الرسمية (وليس في الأروقة)، وشجع المديرين اليابانيين على مناقشة وجهات نظرهم والاختلاف معه. فالمشاعر المخفية تجاه القيادة والتغيير الحاصل، خاصة السلبية منها، يمكن التعبير عنها طالما تم ذلك بطريقة الاحترام المتبادل.
– الشعور بالتقدير بسبب اختلافاتنا والمساهمات الملموسة تجاه الآخرين، كانت بالأمر المهم بالنسبة لغصن. أشرك المديرين اليابانيين في تطوير الاستراتيجيات وعين رئيس الشركة يوشيكاوا هاناوا كعضو من الجانب الياباني في اللجنة التنفيذية حفاظا على ماء وجهه. أثبت غصن لموظفيه من خلال قيامه بهذه الخطوة، أن الهوية الثقافية في «نيسان» شيء يجب الافتخار به. الشعور بأن الإجراءات المتبعة اليوم ستغير مستقبل الجميع. استثمر غصن القليل من الوقت في إظهار إيمانه بنمو «نيسان» على المدى الطويل. وبحلول منتصف عام 2000، كانت "خطة إحياء نيسان" على قدم وساق، مع إعلان غصن خطته لإدخال 22 طرازا جديدا في السنوات الثلاث المقبلة، وعزمه توظيف مهندسين جدد للسيارات الكهربائية، واستثماره 922 مليون دولار أمريكي في بناء محطات جديدة في الولايات المتحدةن إضافة إلى النهوض بالأعمال من الناحية التجارية. شجعت تصرفاته هذه الموظفين على التركيز على آفاق مشرقة لـ «نيسان».
الإيمان بإمكانية تحقيق أكبر قدر من الإنجازات، ليس بالأمر الإيجابي تماما، فالعواطف الإيجابية الوافرة غالبا ما تكون دافئة وغامضة. وهناك مكان دائما للتململ وعدم الرضا، طالما أنها لا تتحول إلى اللامبالاة. حتى الطموح النرجسي بالإمكان توجيهه في الاتجاه الصحيح. بعد أن بدأت خطة إحياء «نيسان» تؤتي ثمارها، رفض غصن إعلان النصر النهائي، وقال: "أكثر ما يشغلني هو الشعور بالرضا عن النفس داخل «نيسان»". فبالنسبة له، الأهداف بمثابة حبال للقفز فوقها. فالبشر يرغبون في أن يكونوا جزءا من شيء عظيم. فلا يبدأ أي نعي بعبارة "تمكن من تحقيق أهدافه". الشعور العميق، والارتباط الوثيق الفعال. التحديات المثيرة والجديدة تثير حماسنا أكثر من أي شيء آخر. ولإدراكه ذلك قام غصن بتجميع تسعة فرق متعددة الوظائف تتألف فقط من مديري الإدارة الوسطى والأقسام المختلفة داخل نيسان وأسند لهم مهمة تطوير وتجديد استراتيجية طموحة للشركة. ومن المفهوم كيف أشعلت هذه السلطة غير المعتادة المعطاة لهم، عاطفة غير اعتيادية وفخرا، في الإدارة الوسطى.
من الملاحظ أن جميع الإجراءات أعلاه يمكن أن تنسب إلى الجدوى الاقتصادية وحدها. وهنا يكمن "سحر" إجراءات رأس المال العاطفي: فهي تستعرض الترابط بين المنطق في الدماغ الأيسر والعاطفة في الدماغ الأيمن، ولا تتطلب التواصل بشكل مباشر لإلهام جماعات كبيرة.
في نهاية المطاف، بناء رأس المال العاطفي للعمل الجماعي هي مسألة تناغم دقيق للاحتياجات العاطفية لجمهورك سواء كانوا من العملاء أوالموظفين أوالمجتمعات. فالأنواع الخمسة المختلفة للعواطف الجماعية يمكن تطبيقها عند رغبة القادة في السعي للتأثير في عدد أكبر من الأشخاص، باستخدام الدماغ الأيسر والأيمن للتشجيع على العمل الجماعي الإيجابي داخل مؤسساتهم.