Author

جدوى حماية البيئة

|
تدرك جميع شرائح المجتمع أن التلوث سيئ ويتمنون ألا يحدث أي شيء منه، ولكن متطلبات الحياة والتنمية البشرية ستولد منه قدرا معينا. ويختلف الناس حول المقدار المسموح به والتكاليف المصاحبة لتنظيف البيئة التي يمكن للمجتمع تحملها. إن القضاء تماما على التلوث أمر غير واقعي ولهذا يجب وضع أهداف واقعية للحد منه، بشرط ألا تتجاوز الكلفة الحدية لخفض التلوث المنفعة الحدية المتحصلة للمجتمع. وتهدف الدول المحافظة على البيئة إلى الوصول -على الأقل- إلى مستويات التلوث الموصى بها على المستوى الدولي التي يعتقد أنها لا تؤثر في صحة البشر والتنوع البيئي. تعتبر الآثار الصحية للتلوث أكبر التكاليف الاقتصادية الناتجة، حيث يصاحب التعرض أو العيش في بيئة ملوثة لفترة من الزمن طويلة كانت أم قصيرة عديدا من المعضلات الصحية وارتفاع معدلات الوفيات المبكرة. ويؤثر التلوث في بعض الشرائح السكانية بمعدلات أكبر ويتسبب بأضرار صحية على الأطفال وكبار السن بسبب ضعف مناعتهم الصحية، كما يؤثر في المناطق الأقل دخلا لقربها عادة من مصادر التلوث. ويقطن هذه المناطق -التي تكون في كثير من الحالات مكتظة- الشرائح السكانية الفقيرة والأقل دخلا. ويؤثر التلوث سلبا في الحياة بجميع أشكالها بما في ذلك المحاصيل والأشجار والغطاء الأخضر والتنوع البيئي بشكل عام، حيث يغير خصائص التربة والمياه ويضعف الإنتاج، كما يسرع من تدمير الطبقات الخارجية للأبنية والمنشآت والمعدات والسيارات والآثار ويرفع تكاليف الصيانة. تأتي أغلب مكاسب تنظيف البيئة الاقتصادية من المكاسب الصحية المتمثلة في خفض عدد حالات الوفيات الناتج عن التلوث، وخفض عدد حالات التنويم السريري، وزيارة المستشفيات، وفحوصات الأطباء التي تزيد الضغط على الموارد الصحية المحدودة. ترتفع حالات الوفيات في البلدان عالية التلوث، حيث يقدر مثلا أن الصين تفقد نحو مليون شخص سنويا بسبب تلوث الهواء فقط، والحال يسري على الهند وكثير من الدول. وينتج عن تنظيف البيئة مكاسب اقتصادية أخرى كزيادة الإنتاجية وزيادة أيام العمل والدراسة. إضافة إلى ذلك يستفيد عامة السكان من زيادة المناعة الصحية حيث تنخفض معدلات الأمراض الأخرى بسبب تحسن جودة الهواء والمياه والأغذية. ترفع السياسات البيئية الخافضة للتلوث تكاليف إنتاج السلع والخدمات وذلك بسبب استخدام تقنيات أنظف، وإضافة معدات خفض انبعاثات وملوثات الإنتاج والاستهلاك، وتكاليف مراقبة أنشطة انبعاثات وتسربات الملوثات، وتفعيل الأنظمة البيئية. ويتحمل هذه التكاليف المنتجون والمستهلكون والحكومات. وتقود زيادة التكاليف إلى رفع معدلات التضخم بعض الشيء، وقد وجدت دراسة أمريكية أن تكاليف تنظيف الهواء والماء أضافت قليلا من التضخم العام في الولايات المتحدة وبنسبة لا تتجاوز 0.1 في المائة ولكنها نجحت في خفض معدلات البطالة بمعدلات أكبر وبنسب تراوح ما بين 0.2 و0.3 في المائة. وتتحسن معدلات التوظيف بسبب زيادة الإنفاق على معدات وأنشطة تنظيف وحماية البيئة وتحسن السياحة ما يرفع معدلات النمو والنشاط الاقتصادي ويعزز جهود التصدي للبطالة. جاء كثير من التلوث بسبب عدم الاستخدام الأمثل للموارد المضخم لاستهلاك المواد الأولية أو المعتمد على تقنيات قديمة وغير كفؤة ما يتسبب في خسائر جمة للمجتمع. ولهذا فإن استخدام تقنيات صديقة للبيئة قد يكون أفضل لبعض الشركات من خلال رفع معدلات استخدام المواد الأولية، وتحسين جودة المنتجات، وبيئة العمل ما يشجع على العمل في هذه الشركات. من جانب آخر تلعب تصرفات المستهلكين دورا في تحفيز استخدام التقنيات النظيفة من خلال تفضيلهم شراء منتجات الشركات الحريصة على البيئة ولكن حدوث هذا محدود. تعتبر برنامج تنظيف البيئة في الولايات المتحدة خلال الفترة 1970 - 1990 من الأمثلة الجيدة على منافع وتكاليف برامج تنظيف البيئة. ويقدر بأن البرامج كلفت نحو نصف تريليون دولار، ولكنها نجحت في توليد منافع قدرتها بعض الدراسات بما لا يقل عن خمسة تريليونات دولار، وقد تصل إلى 50 تريليون دولار مع متوسط مرجح يصل إلى 22 تريليون دولار. وتتركز المكاسب الاقتصادية في المكاسب الصحية وفي تحسين جودة الهواء والموارد الأخرى. وقد تراجعت متوسطات كثافة ملوثات الهواء في الولايات المتحدة بنسب تراوح ما بين 30 في المائة و50 في المائة. كما نجح البرنامج في تحسين الرؤية في كثير من الولايات الشرقية والجنوبية الغربية، وفي حماية مصادر المياه من الترسبات الحمضية، وحماية التنوع البيئي، والغطاء النباتي. كما يعتقد أنه أسهم في زيادة تمتع السكان بالأنشطة خارج المنزل كالتنزه داخل المدن وفي البراري. وعموما دعم تحسن البيئة من الحركة السياحية ما ولد كثيرا من فرص العمل. تستخدم دراسات الجدوى لتوفير معلومات للمشرعين عن منافع أنظمة حماية البيئية ولكن هناك خلاف كبير حول أساليب تقدير المنافع والتكاليف، حيث يرى الحريصون على البيئة أن الحياة البشرية والتنوع البيئي لا يقدران بثمن، كما يصعب وضع تقدير لقيمة معاناة والآم المرضى الناتجة عن التلوث. ولهذا فإن نتائج دراسات الجدوى هي بالدرجة الأولى لتوضيح أهمية حماية البيئة وأنها بشكل عام مفيدة على الأمد الطويل للمجتمع ولكنها لا تعني أن تقديراتها مسلم بها.
إنشرها