الأمانة التاريخية

تحدثت بالأمس عن مقارنة بين دراما تاريخية جمعت مسلسلين متقاربين في الفكرة، لكنهما مختلفان في المحافظة على النمط والترتيب التاريخي للأشياء. على أن "حارة الشيخ" جاء في وقت نحن فيه بحاجة للتعرف على ماضي المملكة وشعبها والاختلاف الكبير بين مكوناتها.
الأكيد أن المنطقة الغربية من البلاد كانت تشهد نشاطا اقتصاديا، وتتفاعل مع ثقافات متنوعة، ما جعل قصصها وشخصياتها أكثر تنوعا باختلاف الأحياء والمدن، فحتى عندما تقارن مدينة جدة بالطائف مثلا، تجد فرقا في الثقافة والسلوك ونوعيات الأنشطة المجتمعية التي تمارس، وإن كان هذا بقدر ضئيل في بعض الأمور.
الفرق الكبير بين مكونات هذه المدن وأنشطتها وأسلوب حياة أهلها يحتاج إلى مزيد من البحث والتصوير، ما دمنا في مجال بناء الثقافة المجتمعية والتعريف بالماضي الذي عاشه الآباء والأجداد، والتعرف على التغير الجذري الذي حدث في المملكة في مختلف المراحل التاريخية.
ثم إن من المهم أيضا أن نكون أمناء في نقل التاريخ والحوادث والشخصيات التي يتكون منها المجتمع في كل منطقة من مناطق البلاد. إن محاولات رسم صور معينة والتركيز عليها يؤدي إلى فقدان الكثير ويؤثر في الربط بين الحاضر والماضي لدى من يبحثون في هذا الشأن، وحتى فئات المجتمع غير المهتمة بالتاريخ ستلاحظ هذه الاختلافات وتفقد ثقتها بالمضمون الذي نحاول أن نوصله.
إن أهم ما يمكن كشفه من مثل هذه الأعمال هو التعرف على توجهات الكتاب وما يريدون أن يثبتوه أو ينفوه من السلوكيات المجتمعية. هذا الأمر يدفع بالشك في أن تأليف قصة مثل "باب الشيخ" هدفت إلى التركيز على مكونات معينة داخل الأحياء والتقليل من أهمية عناصر ومكونات أخرى.
رغم أنني عشت في فترة ليست فترة ما يتحدث عنه المسلسل، فإنني لاحظت أن هناك تهميشا كبيرا لدور الدولة في السيطرة على الأمن والعلاقة بينها وبين مسؤول الحي "العمدة"، وهذا أمر ليس دقيقا أبدا سواء كان في عهد الدولة العثمانية أو الدولة السعودية.
إضافة إلى أن التهميش طال علماء الدين في الحي، وهو أمر ليس صحيحا أبدا في مختلف المراحل التي عاشتها المدينة، فعالم الدين كان له هيبة خاصة وتقدير من قبل كل مكونات الحي، برغم فعل كثير من الأمور بعيدا عن أعين الرجال الذين يمثلون المؤسسة الدينية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي