تمزيق الشهادات
تستدعي الأحوال المتغيرة المزيد من التحمل والتأقلم مع الواقع. عندما يبحث الخريجون عن الفرص الوظيفية في مناطق معينة فقط، هم يقللون من فرص تعيينهم، ويدفعون نحو المزيد من العزلة بين مناطق ومواطني المملكة.
إن توافر الوظائف في منطقة معينة، ورفض كثير من الشباب العمل فيها مؤشر يستدعي الوقوف والمراجعة. قد يجد الواحد العذر للفتيات اللواتي يرفضن التعيين بعيدا عن أسرهن لأسباب اجتماعية، لكن الشاب اليوم مطالب بأن يكون أكثر تقبلا للعمل في مواقع بعيدة عن أسرته.
القبول بالوظيفة حيثما كانت، هو جزء من تراث عاشه الكبار في زمن مضى، وبدأ في الاضمحلال خلال سنوات الطفرة التي وفرت خلالها الظروف الاقتصادية كما كبيرا من الوظائف للمواطنين. عندما بدأت الوظائف بالانحسار نتيجة الأعداد الهائلة من الخريجين، وانعدام دعم القطاع الخاص لتوظيف السعوديين ـــ أو لنقل عدم فعاليته، بدأنا في إشكالية القبول بالوظائف البعيدة عن الأسرة.
إن الحياة المستقلة التي يتطلبها مثل هذا الوضع الجديد، توفر للشاب عديدا من الفرص لتكوين شخصيته المستقلة والاعتماد على نفسه في قضاء الكثير من احتياجاته. على أن بعض الأسر لا تتوقع أن يكون لدى أبنائها القدرة على تحمل الوضع الجديد ويحاول كل منهم البحث عن الأصدقاء والأقارب وكل المعارف لتغيير موقع الوظيفة لمكان قرب أسرة الشاب.
هذا الأمر هو من قبيل الاستمرار في القوقعة التي تضع الأسر نفسها فيها، وهو من علامات المجتمعات التي لم تتمكن من تبني مفهوم الوطن كمكون أساس ومرجعية ثابتة لكل من يعيشون فيه. كما أن الاستمرار في حرمان الوطن من التنوع الثقافي والحضاري الذي تتميز به كل منطقة من مناطقه يسهم في تعزيز مفاهيم المناطقية التي تنخر في جسم الوطن بكليته.
لقد عاش الآباء والأجداد حياة صعبة وهم يبحثون عن الرزق في كل مكان، بل إن بعضهم توجهوا إلى خارج البلاد بحثا عن فرصة أو مصدر رزق يضمن لهم الحياة الكريمة. هذه التعددية التي بدأنا نفقدها مع إصرار الشباب على البقاء بجوار أسرهم غير صحية أبدا.
لهذا أجدني أستغرب من تصرف فرد يمزق شهادته العلمية التي عمل سنين طويلة للحصول عليها بسبب عدم توفيرها فرصة عيش قريبة من أسرته. ولا أجد لسلوك كهذا أي مبرر.