الطاقة البديلة وأثرها في توقعات الوقود الأحفوري
احتياطيات الوقود الأحفوري مهما كانت كبيرة هي في النهاية محدودة، ولذلك من المتوقع أن يأتي يوم يعتمد فيه العالم بصورة كبيرة على مصادر الطاقة المتجددة. ولكن هل المحللون في المنظمات الدولية مثل وكالة الطاقة الدولية ومنظمة أوبك أو شركات النفط الكبرى مثل برتش بتروليوم وإكسون موبيل لديهم الإلمام الكافي بمدى سرعة – أو بطء – تحول العالم بعيدا عن الوقود الأحفوري؟ على الرغم من أن توقعات جميع هذه المؤسسات تفترض تحسنا كبيرا في استخدام الطاقة، إلا أنها في الوقت نفسه تُجمع على أن العالم سيستمر في استخدام كميات كبيرة من الوقود الأحفورى بحلول منتصف القرن، خصوصا للتغلب على فقر الطاقة، حيث إن نحو 1.1 مليار شخص في العالم اليوم يفتقرون إلى خدمات الطاقة الكهربائية، والنمو السكاني المتوقع أن يرتفع بنحو ملياري نسمة في 20 عاما. ولكن الواقع قد يكون مختلفا ـــ وأكثر اعتمادا على الطاقة المتجددة، في وقت أقرب بكثير.
من بين أنواع الوقود الأحفوري، الاعتقاد السائد هو أن استخدام الفحم في طريقه إلى التراجع، وللغاز مستقبل باهر كوقود مجسر إلى عالم منخفض الكربون ـــ في حين أن النفط في المنتصف، لا يزال ينمو ولكن بسرعة منخفضة. ولكن التقلبات الأخيرة في بعض التوقعات مثل "جولدمان ساكس" ـــ الذي قبل بضعة أشهر حذر من أن مخزونات النفط الكبيرة قد ترسل أسعار النفط إلى مستويات متدنية قرب 20 دولارا للبرميل، ولكن الآن تأكد أن انقطاع بعض الإمدادات رفع الأسعار ــــ يظهر مدى صعوبة الحصول على توقعات صحيحة حتى على المدى القريب، فما بالك بدقة التوقعات على المدى الطويل، حيث إن أي اختلاف في الفرضيات قد يقلب التوقعات رأسا على عقب.
على سبيل المثال، كهربة الأرياف، بدلا من انتظار بناء شبكات مركزية ومحطات توليد طاقة كبيرة عاملة بالوقود الأحفوري، يمكن أن تنتقل مباشرة إلى شبكات لا مركزية تغذي بالطاقة الشمسية مثلا. في هذا الجانب، أعلنت شركة توتال النفطية أخيرا أن الطاقة الشمسية يمكن أن تلعب الدور نفسه الذي لعبته الهواتف المحمولة في قطاع الاتصالات، ما يسمح للدول الناشئة الفقيرة بقفز خطوة مكلفة تستغرق وقتا طويلا لتطوير بنية تحتية ثابتة.
في الواقع، مثال الهاتف المحمول قد يكون على نحو كبير أبعد وصولا من مجرد المناطق الريفية في إفريقيا. على سبيل المثال، التوقعات التي أجريت في بدايات انتشار الهاتف الخلوي قللت إلى حد كبير من معدلات التوسع في استخدامه ــــ حيث إن التوقعات في أواخر تسعينيات القرن الماضي كانت تشير إلى أن الإقبال بمعدل 25 ـــ 30 في المائة من نسبة السكان في معظم الدول الأوروبية سيكون ربما الضعف في أحسن الأحوال قبل أن تتشبع الأسواق. في الواقع، هو الآن أكثر من 100 في المائة.
الخلايا الشمسية الكهروضوئية يمكن أن تتبع أيضا مسارا مماثلا، مدعومة بخفض كبير في التكاليف التي باستمرار تفوقت حتى على أكثر التوقعات تفاؤلا. لقد تراجعت تكاليف الخلايا الكهروضوئية بنحو 75 في المائة في العقد الماضي، العطاءات الأخيرة في دبي، الهند وألمانيا تشير إلى أن الهدف الذي وضعته وكالة الطاقة الدولية لانخفاض التكاليف إلى نحو 50 دولارا لكل ميجاواط ـــ ساعة بحلول عام 2050 هو بالفعل حقيقي في المناطق التي تتمتع بأفضل إشعاع شمسي. وهذا يجعل الخلايا الكهروضوئية أرخص وسيلة لتوليد الطاقة في الشرق الأوسط، على افتراض تسعير النفط والغاز حسب الأسعار العالمية، وعلى قدم المساواة مع الفحم والطاقة المائية في دول آسيا النامية ـــ والتكاليف مستمرة في الانخفاض. إضافة إلى ذلك، تفادي انقطاعات الطاقة الشمسية من المحتمل أن يصبح في المتناول أكثر فأكثر، حيث إن تكاليف البطارية هي الآن أقل بنحو 65 في المائة مما كانت عليه في عام 2010، ويتوقع أن تنخفض بنسبة 60 في المائة أخرى حتى عام 2030، وفقا لنشرة بلومبرج لتمويل الطاقة الجديدة.
زوال الفحم وارتفاع استخدام الغاز كوقود مجسر ليس حتى مؤكدا، حتى في أكثر السيناريوهات المقيدة للكربون. في حين أن معظم شركات النفط والغاز تصر على أن التقاط الكربون وتخزينه CCS أو استخدامه، هو أفضل وسيلة لاستمرارية الصناعة البترولية للانتقال إلى عالم منخفض الكربون. لكن السيناريو المثير للقلق لشركات النفط والغاز هو حدوث اختراق كبير في تقنية التقاط الكربون وتخزينه تسمح لمحطات الطاقة العاملة بالفحم بخفض الانبعاثات وإزاحة الغاز من قطاع الطاقة. في الصين، قطاع توليد الطاقة الضخم العامل بالفحم يقدم فرصة لإنجاح تقنية التقاط الكربون وتخزينه على نطاق واسع وجعلها منافسة اقتصاديا.
السيناريوهات المتطرفة، مثل سيناريو "2 درجة مئوية" لوكالة الطاقة الدولية يتضمن سياسات صارمة للغاية، حيث عديد من المختصين يعتبرونه غير واقعي، حتى بعد نجاح مؤتمر باريس المناخي في العام الماضي. ولكن بدلا من تغير المناخ، تلوث الهواء في المدن قد يكون حافزا أكبر للتحول بعيدا عن النفط في قطاع النقل. مع تزايد قضية الصحة والدعم السياسي في عديد من المدن الكبرى في العالم، ولا سيما في الصين والهند، تفوق موضوع تلوث الهواء بصورة كبيرة على تغير المناخ، من حيث التكاليف بالنسبة إلى المجتمع.
على سبيل المثال، تتبنى الهند مقترحات جذرية لكهربة قطاع النقل بحلول عام 2030. وعلى نحو مماثل، قطاع صناعة السيارات العاملة "بالطاقة الجديدة" بما في ذلك السيارات الكهربائية، الهجينة وخلايا الوقود، يعتبر استراتيجيا في إطار خطة التنمية الوطنية الشاملة للصين، والتي حددت هدفا لنمو مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة إلى خمسة ملايين بحلول عام 2020، ارتفاعا من أقل من 200 ألف مركبة بيعت في عام 2015.
بالطبع، كفاءة المركبات العاملة بالكهرباء سوف لن تصل أبدا إلى تلك العاملة بالنفط، ولكنها ستكون قريبة بما فيه الكفاية لجعل المركبات الكهربائية قادرة على المنافسة بصورة كاملة مع السيارات الأخرى. البطاريات ستكون أرخص وذات سعة خزنية أكبر، والسيارات ستكون أخف وزنا وأسهل للشحن، القضية الرئيسة ستكون توافر البنية التحتية للشحن السريع. ولكن حتى عندما تصبح المركبات الكهربائية مماثلة إلى حد كبير للسيارات التقليدية، من غير المرجح أن تحدث اختراقات في قطاع النقل مشابهة إلى تلك التي أحدثتها الهواتف المحمولة في إعادة تشكيل صناعة الاتصالات.