الانتخابات الأمريكية.. ومهزلة العقل البشري
لماذا يهتم العالم بهذا الشكل المثير بالانتخابات الرئاسية الأمريكية ونحن ما زلنا في بدايتها، أي المنافسة لا تزال بين الحزبين الرئيسين لاختيار مرشحيهما لخوض السباق على مقعد رئيس الولايات المتحدة في البيت الأبيض.
الجواب لا يحتاج إلى كثير من الروية والتفكير. أمريكا دولة جبارة، لم يشهد كجبروتها تاريخ وجود الإنسان على الأرض. تأثيرها هائل ومن دونها وتدخلها المباشر وغيره لما كنا أمام معضلات ومشكلات عويصة اليوم. بمعنى آخر أن وجودها كقوة جبارة يصعب تحديها يسبب مشكلات كبيرة لكثير من الدول والمجتمعات.
ومن دونها وتدخلها المباشر وغيره لربما فشل العالم أيضا في حل كثير من المعضلات التي تواجهه. بمعنى آخر أن وجودها كقوة جبارة ضمن أي اتفاق يمنح الموقعين عليه والاتفاق ذاته الكثير من المصداقية عند التنفيذ.
إن أردنا إثبات الفرضيتين أعلاه، فما علينا إلا النظر إلى خريطة الشرق الأوسط والأزمات الطاحنة التي تمر بها دوله ومجتمعاته. في كثير من دوله، صار زمام الأمور خارج السيطرة. بيد أننا لن نكون منصفين أبدا إن قلنا إن لأمريكا يدا مباشرة أو غيره فيما يحدث.
والإنصاف أيضا يدعونا إلى القول إن الكثير من دول المنطقة تدور في فلك أمريكا. الذي يدعي أنه بعيد عن تأثيرها أو يدور خارج فلكها يحتاج إليها لحلحلة مشكلاته مع العالم.
وهذه الفرضية أيضا لا تحتاج إلى كثير من الروية والحكمة والعلم للبرهنة عليها. في الظاهر تعد إيران نفسها من ألد أعداء أمريكا. بيد أنها لم تستطع التخفيف عن عزلتها إلا بعد أن استجابت لكثير من الشروط والمطالب الأمريكية لتخفيف الحصار عنها.
يتوقع المرء لدولة بهذه السطوة والجبروت أن تتصرف بعقلانية في خطابها وممارساتها وسياساتها.
ولكن الحكمة والتعقل والمنطق لم تكن دائما جزءا من القوة والجبروت والسطوة والعظمة طوال التاريخ.
الهيمنة والسطوة والعظمة قد تؤدي إلى ممارسة الهزل أحيانا أكثر من الجد وإلى إشغال الجهالة أكثر من العقل.
ولهذا يقف الكثير منا مشدوها يصعقه ما يرى من سياسات وممارسات تقوم بها هذه الدولة الأعظم في العالم ولسان حاله يقول: "كيف لهم أن يفعلوا هذا أو يقولوا هذا أو يتصرفوا هكذا".
السطوة والجبروت في الغالب يحصل عليهما البشر والمجتمعات والدول ليس من خلال تحكيم أو تشغيل العقل. وهنا أقصد التصرف العقلاني والإنساني الذي يضع العدل والمساواة والإنصاف وحقوق الإنسان الأساسية كنبراس للسلوك والتصرف.
كل جبار عنيد يصل إلى ما يصل إليه لأنه يتشبث بما لديه ـــ أي مصالحه ومصالح معيته (دولته) وحسب، وأمريكا تأتي مصلحتها فوق الكل.
وإن تحدثنا عن المؤسسات "الأفراد والأحزاب والشركات والجمعيات وغيرها" التي تتألف منها أمريكا، لرأينا أيضا أنها تضع مصلحتها فوق كل شيء وتستخدم أي شيء وتلتجئ إلى أي ممارسة مهما كانت للحصول على مبتغاها.
جبروت وعناد أمريكا يستند أساسا إلى جبروت وعناد مؤسساتها.
قبل نحو ثلاثة عقود لم يكن ربما أي أثر ملحوظ للشركات الأمريكية العملاقة والجبارة في عالم تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الرقمية. اليوم هذه الشركات قيمتها السوقية تبز أضعافا ميزانيات الدول النفطية برمتها.
ومن هنا يأتي التكالب على منصب الرئاسة في الولايات المتحدة كل أربع سنوات. ومن هنا يلجأ الذين يرومون الحصول عليه إلى أي وسيلة للجلوس على كرسي المكتب البيضاوي.
وهكذا نرى كيف يغيب أو يتغيب العقل والمنطق والروية والحكمة في تصرفات وخطابات المرشحين لنيل دعم حزبهم لهم للتنافس على الرئاسة.
لا فرق كبير بين الجمهوريين من أمثال المتعصب دونالد ترامب ومنافسه تيد كروس الذي انسحب من السباق أخيرا. ولا فرق بين الديمقراطيين من أمثال هيلاري كلينتون أو برني ساندرز.
الهزل وصل في الانتخابات التمهيدية هذه إلى مستويات متدنية من حيث الأخلاق والكياسة وآداب المخاطبة.
لم يستثن المرشحون حتى الأعراض في بعض الأحيان والنبش في الخصوصيات وشخصنة المواضيع المطروحة لطرح المنافس أرضا وكأننا في حلبة مصارعة أو ملاكمة.
وللوصول إلى الهدف الأخير لا أظن أن أيا من المرشحين سيتورع عن القيام بأي عمل أو نطق أي تعابير.
الجبروت يؤدي إلى حالة من النشوة والإدمان والهذيان أحيانا تعاكس المنطق والحس الإنساني السليم.
والتاريخ يخبرنا أن الكثير من الجبروت ــــ على مستوى الفرد والمجتمع والدول ـــ قد يؤدي بصاحبه إلى التهلكة.
والتاريخ يخبرنا أن دولا وإمبراطوريات جبارة سقطت على أيدي الضعفاء والمستضعفين من الناس.