ذائقة القنوات الفضائية
تحاول القنوات التلفزيونية جذب أكبر نسب المشاهدة، وتبذل الإدارة في هذا السبيل الغالي والنفيس. هنا نقصد كل شيء، حتى وإن اضطروا لمنع أبنائهم وبناتهم من مشاهدة القناة التي يديرونها. نسب المشاهدة في رأيهم لا يرفعها سوى شيء واحد وهو التوجه نحو الغرائز البشرية.
تختار بعض القنوات أجمل الفتيات حتى وإن لم تكن لديهن بدهيات العمل الصحافي أو الإعلامي. يستمر البحث عن الأجمل في تنافس محموم بين القنوات التي اقتنعت فعلا أن هذا هو المصدر الوحيد لنسب المشاهدة العالية. الأكيد أنهم يعلمون حقيقة هذه المعلومة بسبب الإحصائيات التي يدفعون مقابلها الكثير.
يأتي هذا ليذيق الإعلاميين العاديين "شكلا" الأمرين وهم يجدون أنفسهم خارج المنافسة، ليس بسبب نقص في الكفاءة أو الشهادات أو الاحترافية وإنما لأنهم لا يملكون "المؤهلات" الأخرى. الإعلامي الذي يملك القدرة على الحوار وتقديم المعلومة بطريقة احترافية سيجد نفسه خارج أي محطة في المستقبل القريب.
أقول هذا وأنا أشاهد حتى القنوات الاحترافية، تنهج النهج نفسه الباحث عن الربح المادي من خلال نسب المشاهدة المرتفعة التي تضمن مزيدا من الإعلانات والتنافس على برامج معينة. ليس ضروريا أن يكون هناك محتوى للبرنامج، فهذا يبحث عنه مشاهدو قنوات معينة تعيش على الإعانات والدعم من قبل مراكز البحوث أو الأحزاب أو الجمعيات.
قد يقول قائل إن هذه حال أغلب قنوات العالم، وقد يكون على حق بنسبة عالية، لكن المواصفات الجسدية لها أثر يتوقف في مرحلة معينة. أقصد بالمرحلة البرامج الإخبارية والوثائقية وبعض البرامج الحوارية، أما أن تعتمد نشرات الأخبار على حالة من البحث الجنوني عمن يجذب شكلا دون الاهتمام بالمضمون فذاك مشكل كبير.
عندما نتحدث عن البرامج الثقافية ــــ بالذات، نتحدث عن حالة من التحول الجماعي نحو الابتعاد عن الثقافة والتعامل مع أشخاص لا علاقة لهم بالمواضيع التي نبحث فيها، فسؤال العرب عن موضوع معين والبحث عن أصول الموضوع وأدلة الإجابات أصبح بعيدا عن العملية الذهنية التي تعتمد على الحقائق.
كثيرة هي الأمثلة التي يمكن أن نتحدث عنها، لكن الحل يظل بعيد المنال ما دام نجاح القنوات يعتمد على الدخل المادي الذي يبقيها على الهواء. هذه النتيجة الحتمية تدفع بأصحاب القنوات ـــ مجبرين ــــ نحو التحيز لنوعية من الموظفين حتى وإن لم يقتنعوا بقدراتهم.