المنشآت الصغيرة والمتوسطة قطاع مهم لتوليد الوظائف
نحن نواجه تحديا ضخما، وأمامنا مهمة لتوفير أكثر من مليون وظيفة وعمل خلال فترة وجيزة جدا، فكل سنة تمر دون أن نتمكن من إيجاد فرص عمل لشباب وشابات هذا الوطن تعني أننا سنجد رقما لهم في عِداد البطالة الذي لا يحابي أحدا، وإذا كان من المُسلَّم به أن الاقتصاد السعودي لا يواجه مشكلة القدرة على النمو وإيجاد الوظائف، بل إنه من أكثر أسواق العمل جاذبية للعمال. سنويا هناك ما يقرب من مليوني تأشيرة عمل في العام المنصرف فقط حصل عليها عمال من أنحاء العالم كافة، فالاقتصاد السعودي، الذي وصل ناتجه المحلي إلى أكثر من تريليوني ريال، اقتصاد ضخم، يحتاج إلى العمال لتشغيله. وعلى الرغم من هذا الحجم الضخم للاقتصاد، وعلى الرغم من حجم التأشيرات السنوية، إلا أن حديثنا يبدو متناقضا ونحن نتكلم عن تحدي توفير مليون وظيفة خلال خمسة أعوام. ولا غرابة في هذا الطرح، فالاقتصاد السعودي لم يزل تحت تأثير فترة طفرة النفط التي حدثت في سبعينيات القرن الماضي، حيث تحملت الحكومة عبء توظيف العمالة السعودية المتوافرة كافة، بينما استطاعت العمالة الأجنبية خلال أكثر من 30 عاما السيطرة على الأسواق، خاصة عند مستوى قطاع التجزئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة فيه. لهذا وعلى الرغم من حجم الوظائف المتاحة في الاقتصاد، إلا أن الشباب السعودي يواجه منافسة حادة جدا من العمالة الأجنبية، جعلت من المستحيل عليه أن يضع قدمه في عالم المنشآت الصغيرة والمتوسطة. وهكذا، فمشكلة توفير مليون وظيفة ليست مشكلة نمو وحجم وتنوع الاقتصاد، بل مشكلة منافسة فقط، ومشكلة تنظيم السوق ليس إلا. لهذا، فنحن في حاجة إلى نوع من الحزم الشديد؛ لنتمكن من إحداث موجة من التغيير في هيكل سوق العمل، ونمنح الشباب السعودي فرص للمنافسة والعمل للتمتع بخيرات بلادهم. لهذا كان قرار قصر العمل بالكامل في مهنتي بيع وصيانة أجهزة الجوالات وملحقاتها على السعوديين والسعوديات خطوة في المسار الصحيح، فالقرار سيوفر من 15 إلى 20 ألف وظيفة للسعوديين، هم في أمس الحاجة إليها.
يأتي اختيار قطاع التجزئة في الاتصالات كخطوة أولى في طريق توفير مليون وظيفة؛ لأنه قطاع مهم جدا من نواح عدة، فالعمل في هذا القطاع ليس عملا معقدا تقنيا، حيث يصعب على الشباب الدخول فيه دون تعليم عال ومتقدم، كما أن الدخول إلى هذا القطاع لن يمثل تحديا ماليا صعبا، فلم يكن حجم رأس المال عائقا في دخول هذا القطاع، بل المشكلة كانت تتمثل في احتكار العمالة الأجنبية له بشكل لافت، والأمر الثاني ذو علاقة بالأمن المجتمعي، فقطاع بيع التجزئة في "الاتصالات" يمثل قطاعا خصبا في التستر التجاري، الأمر الذي يجعل من الصعب ــ في كثير من الأحيان ــ تطبيق عديد من الاشتراطات الأمنية عند بيع شرائح الجوال، أو عند استبدالها، أو حتى عند إعادة شحنها. ولقد مارست الجهات الأمنية كثيرا من الضغوط لضمان تطبيق هذه الشروط، ومع ذلك فإن الممارسات الخاطئة لم تزل منتشرة في الأسواق. لهذا كله فإن إخراج العمالة الأجنبية من قطاع التجزئة في "الاتصالات" وخدمات الجوال أمر ضروري من النواحي الأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
بالطبع فإن الوصول إلى نقطة اللاعودة في مشروع توطين هذا القطاع يحتاج إلى حملة إعلامية واسعة النطاق؛ حتى يتفهم المجتمع ضرورة هذه الخطوات، فخروج العمالة الأجنبية بالكامل من هذا القطاع سيتسبب في ضعف مستويات الأداء، وبالتالي تعرض كثير من خدمات الناس إلى التعطيل، خاصة أن معظم أجهزة الجوال والأجهزة الملحقة بها أجهزة تقع تحت الضمان، ولهذا فإن إفراغ السوق من العمالة الأجنبية ودخول العمالة السعودية سيتسبب حتما في تأثيرات سلبية مؤقتة هي نتيجة حتمية لما يسمى في علم إدارة الأعمال "منحنى التعلم". لهذا نحتاج إلى حملة لتوعية المجتمع نحو الطريق الصحيح لمعالجة المشكلات والاختلالات الناتجة عن التغيير، كما يجب تصميم برامج تدريبية وتأهيلية تواكب هذه المرحلة، وتقديم الدعم المالي وخدمات التوظيف من قبل هيئة توليد الوظائف وصندوق تنمية الموارد البشرية، خاصة في دعم أجور من سيتم توظيفهم من السعوديين.