أوراق قوية لم نستغلها بعد

عندما يتحدث إعلام الغرب عنا، منطلقا من تصرف وقع من فرد عربي، أو مسلم، سواء كان التصرف مقصودا، أو غير مقصود يحاول أن يربط التصرف بالثقافة العامة التي يأخذ بها معظم الناس، ويفتخرون بها، وما من شك أن عملية الربط بالثقافة لها أثرها خاصة إذا كان التصرف سيئا، فالصورة الذهنية التي تتشكل لدى المشاهد ستكون سلبية، ليس نحو التصرف، بل نحو الثقافة بعمومها، فالاعتقاد سيكون بأن الفعل حدث بوحي من الثقافة التي ينتمي إليها الفرد، وليس فعلا فرديا خاليا من تأثير الثقافة.
في نقاشي مع الزملاء والأساتذة الأمريكان كثيرا ما يسألون عن أمور شاهدوها، إما في فيلم، أو برنامج تلفزيوني ويجادلون على أساس البناء الثقافي لها، لا على أساس الفردية، وكنت أحاول جاهدا بيان الفرق بين السلوك الفردي المجرد من البواعث الثقافية والسلوك المتأثر بالثقافة.
الغرب في صراعه الحضاري معنا ليس وليد الحاضر، بل منذ قرون، والعلاقات بين مد وجزر، وتوتر وهدوء، وسلم وحرب، لكنه مع ذلك لا يتخلى عن النظر إلى حضارتنا كحضارة منافسة له على قيادة العالم، وكثيرا ما صرح سياسيوه، ومفكروه بهذا، وكتب عن ذلك الكثير وفعل الكثير، كالحروب العسكرية، والسياسية، والثقافية التي أصبح تأثيرها في الوقت الراهن قويا، وسريع التأثير مع وسائط الاتصال الحديثة، والغالب في التناول محاولة النيل من ثقافتنا وتشويهها.
توقفت في خضم التفكير في هذا الموضوع عند ربيبة الغرب إسرائيل والتي بذرت في قلب عالمنا وتمت رعايتها وتقويتها لتكون خنجرا مسموما، ومرضا عضالا أنهك الأمة اقتصاديا، وسياسيا، التوقف عند إسرائيل لا لشيء إلا لأن الغرب الذي صنعها يتباهى بها، وبقيمها التي تماثل قيمه، كما أن سياسيي إسرائيل يفتخرون باختلافهم، وتميزهم عن العرب المحيطين بهم، وكثيرا ما يرددون أن قيمهم قيم غربية، كما أن ثقافتهم ونظمهم كذلك. تساءلت هل يمكن لإعلامنا أن يجعل من ممارسات إسرائيل وإرهابها بحق الشعب الفلسطيني أساسا لمقارعة الغرب الذي كثيرا ما يصف غيره بالوحشية، ويدعي الحضارة، والتمدن، وحقوق الإنسان دون غيره من الشعوب والأمم الأخرى.
الصورة البشعة واللا إنسانية التي قتل بها محمد الدرة، وهو يحتمي بوالده، والذي بدوره يحتمي بصندوق النفايات، لا أعتقد أنها تنسى، لذا ومع تقدم التقنية لماذا لا يعاد بث ذلك المشهد المؤلم، والذي لا يدين بني صهيون وحدهم بل يدين الغرب الذي زرع الكيان، وأمده بالمال والسلاح، ودافع عنه في المحافل الدولية، ويصور إسرائيل بالبلد الديمقراطي والحر، حتى أصبحت كلمتا ديمقراطية وحرية رديفتين للقمع والوحشية لما يتم على أرض فلسطين من بشاعة وإرهاب يتظلل بالديمقراطية التي تتفق على قتل الإنسانية، ونزع قيمها، ليحل التوحش والعنف واستلاب الحقوق بادعاءات تاريخية مزيفة.
ما يمر يوم إلا وتمارس فيه إسرائيل الجرائم في حق شعب أعزل احتلت أرضه، وصودرت حريته، إلا أنه لا يزال يحمل كرامته مباهيا بها، ساعيا للمحافظة عليها، وباستعراض السجل الأسود للعدو نجد اقتلاعه للأشجار، وهو بهذا يقتلع الحياة من النبات الذي لم يرفع حجرا، ولم يرفع صوتا. الغرب بهيئاته ومؤسساته وأحزاب الخضر المدافعة عن البيئة ما عدا بيئة فلسطين التي دمرها ولوثها من يمثلونه في منطقتنا، يستمتع بهذه التصرفات ويحميها.
الجرائم لا حصر لأنواعها، ولا طرق تنفيذها، ولا المستهدفين بها، كالأطفال، والنساء، وكبار السن، والشباب، والأصحاء، والمرضى، والمعوقين، حتى المتخلفين عقليا يطولهم بطش من يمثلون حضارة الغرب، هدم البيوت، وتشريد أهلها الذين بذلوا في بنائها دم قلوبهم، بل طرد وتشريد من يسكنون بيوت الصفيح، ومن ثم هدمها لتقام عليها بيوت للصهاينة المغتصبين الذين طردتهم أوروبا ليسرقوا أرض وممتلكات غيرهم، أما تكسير العظام، وهدم وإحراق المساجد فأمر متكرر كغيره من الجرائم.
فتاوى الحاخامات بقتل وسحل، وسرقة الممتلكات أمور لا يمكن للإعلام الغربي الذي يدعي تمتعه بحرية الرأي أن يتطرق إليها، ويناقشها، إذ هي من المحرمات عليه، الحاخام شموتل إلياهو أفتى بسرقة العرب لأنهم كما يدعي لصوص، ومثل هذه الفتوى لا يمكن لإعلامي أو وسيلة إعلام، مهما كان شأنها أن تتناول مثل هذا الموضوع، ولو قدر لطائش أو قليل علم عربي، وكتب، أو تلفظ بما يمس اليهود، أو الغرب على وجه العموم لردح إعلام الغرب على ذلك طويلا.
في وضع كهذا، لماذا الساسة العرب، وممثلونا في الهيئات الدولية، وإعلامنا لا يجعلون من هذه الممارسات مادة يستشهد بها على جرائم العدو، وتتم إثارته مع الغرب، ليس كرد فعل، بل سياسة مستديمة لإحراجه، وضربه في المواضيع التي لا يمل من رفع شعاراتها دون الأفعال حين يكون الحق للطرف الآخر؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي