الرياض - باريس .. شراكة الكبار
تكتسب زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف لفرنسا التي تمت بدعوة من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أهمية استراتيجية كبيرة من عدة زوايا. أولها العلاقات القوية التي تجمع كلا من الرياض وباريس على مختلف المستويات، إضافة طبعا، إلى مكانة كلا البلدين على الساحة العالمية سياسيا واقتصاديا، بما في ذلك وجودهما ضمن مجموعة العشرين، والتطورات الخطيرة المتلاحقة على الساحة في المنطقة العربية، وآثارها على الساحة الأوروبية نفسها. إلى جانب طبعا الموضوع الحاضر الدائم، المتمثل في مكافحة الإرهاب بكل أشكاله، وبكل مصادره وجهاته. دون أن ننسى، أن هذه الزيارة، تأتي أيضا في ظل فوضى واضحة على صعيد صنع القرار العالمي، الذي يعتبر الأوروبيون أن الولايات المتحدة تتحمل وزره نتيجة سياساتها السلبية تجاه التفاعلات العالمية الخطيرة.
لم تصل العلاقات السعودية - الفرنسية إلى مستوى عال ومتماسك جدا، كما هي الآن. وعلى الرغم من أهميتها للطرفين، إلا أن أهميتها الخاصة في مواجهة التطورات بل والاستحقاقات الإقليمية والعالمية ليست أقل. بل هي في الواقع المحور الراهن، لأن للتفاعلات أولوياتها أيضا، من الحرب الدائرة في سورية والعراق واليمن، إلى الأزمة التاريخية الهائلة التي تواجهها القارة الأوروبية على صعيد اللاجئين المهاجرين. كما أن العالم بات اليوم أكثر حاجة إلى تعاون زاخم بالحراك بين بلدين كالسعودية وفرنسا، لاحتواء المشكلات الأخطر، والسعي لحل المشكلات الأقل خطورة بأسرع وقت ممكن، وبأقل الأضرار الممكنة. المخاطر الراهنة ليست قابلة للانتظار، والمملكة تتحرك وفق هذا المنهج منذ اليوم الأول لوصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى سدة الحكم.
وتشدد فرنسا على مختلف المستويات على أهمية الشراكة التي تجمعها مع المملكة على الصعيد الثنائي، وبالطبع على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وتولي باريس أهمية كبيرة لهذه الشراكة من خلال سلسلة من مخططات التطوير التي شهدتها السنوات القليلة الماضية. وكما هو معروف، فإن السعودية تبقى أهم شريك تجاري لفرنسا في منطقة الخليج، كما أنها ثالث دولة مستثمرة في هذا البلد الأوروبي، وهناك التعاون في مجال التعليم والطاقة والتجارة والسلاح وغير ذلك من القطاعات، التي دفعت الرئيس الفرنسي إلى القيام بزيارة المملكة مرتين العام الماضي. في حين تمضي الزيارات المتبادلة بين البلدين على المستويات الأخرى بصورة متسارعة، ما يعزز الشراكة التي ترى فيها باريس نقطة محورية الآن وعلى المدى البعيد.
وفي هذا السياق يأتي التعاون المهم جدا الآن أكثر من أي وقت مضى، على صعيد مكافحة الإرهاب، لاسيما أنه ينتشر بأشكال مختلفة ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، بل على الساحة الأوروبية نفسها، لاسيما فرنسا التي نالت منه مباشرة العام الماضي. بل إن الحكومة الفرنسية نفسها، ترى أن حرب إعادة الشرعية في اليمن، هي في الواقع حرب ضد الإرهاب هناك، وتدخل في السياق العام للحرب الشاملة على هذه الآفة التخريبية. مع التطابق التام في الموقف حيال الحرب في سورية، وضرورة زوال نظام بشار الأسد باعتباره المسبب الأول للإرهاب. في ظل هذا المشهد، لا غرابة في أن تكون فرنسا الحليف الأوروبي الأهم للمملكة، فلا خلاف في المبادئ، والرؤى متوافقة حول القضايا الثابتة والمتغيرة.
ستضيف زيارة الأمير محمد بن نايف لفرنسا سرعة أخرى جديدة لمسار العلاقات السعودية - الفرنسية، خصوصا أنها تأتي على هذا المستوى الرفيع في الأوقات الحساسة بل الحرجة. كما أنها ستدعم على المدى البعيد كل الأطر والقواسم المشتركة بين الرياض وباريس، في وقت أحدثت فيه السلبية السياسية الدولية للولايات المتحدة كثيرا من الثغرات على الساحة العالمية.