Author

استثمارات «عادية» بعوائد مجزية

|
نسمع عشرات النصائح حول تحقيق أفضل العوائد، وهي نصائح تنحصر في الخيارات الاستثمارية التقليدية التي لا تتاح في معظم الأحوال إلا لفئات محدودة من المقتدرين أو الذين قضوا فترات طويلة في العمل والكفاح. لكن الاستثمار الحقيقي يبدأ من مرحلة مبكرة ولا يقتصر بالتأكيد على استثمار الأموال فقط. لن أقول أفضل الاستثمارات تكون في التعليم أو نيل الخبرات فهذا من المعروف والمسلم به، ولكن سأتحدث عن ثلاثة استثمارات شخصية محددة لها عوائد مجزية وسريعة وتفتح أبواب التكسب في مختلف مناحي الحياة، المالية وغير المالية. الاستثمار الأول يكون في بناء العلاقات الجيدة التي تقوم على الثقة والتنوع. على الرغم من تقليدية هذه الفكرة وتكرار ذكرها في مختلف المحافل إلا أن تنفيذها على أرض الواقع أهم مما نتخيل، له تحدياته وعوائقه، ويتطلب قدرا من الإعداد وقدرة على الإبداع لدمجه ضمن سلوكياتنا اليومية المستمرة. من الإعداد، التخطيط وعقد النية على تحسين وتنويع شبكة العلاقات الشخصية داخل مكان العمل وخارجه ومن الإبداع، ابتكار الأوقات والأساليب التي نتواصل عن طريقها. يشعر بعض الشباب المجتهد والطموح بقلة الحيلة أو ضبابية الرؤية، على الرغم من أنه متعلم، مؤدب، مجتهد ومحترم، لا يخطئ على أحد ولا يتجاوز حدوده ويتسم بالانضباطية والالتزام. أين المشكلة إذن؟ بكل بساطة هو لا يُوصل لمن حوله فكرة أنه يحوز على كل هذه الملامح النوعية، أو ربما يقوم بإيصال رسائل عكسية تفيد بأنه انطوائي اكتفائي قنوع! ويزيد بعضهم على ذلك بدرجة من عدم الوضوح والتردد في التعامل كفيلة بهدم جسر الثقة الذي ينقل الفرص إلى جانبه من الحياة. يعتقد البعض بأن من أبسط حقوقه الانكفاء على الذات والصمت والزهد مهنيا، يظن بأنه في أفضل حال ما دام لا يتجاوز الخطوط الحمراء، بينما هو في الحقيقة يقود نفسه إلى الجمود والتأخر. إن ما يقوم به يفسره الآخرون بالغموض والخمول والسلبية وبالتالي صعوبة الاعتماد عليه ما يجعله دائما من "آخر" الخيارات. يرتبط الاستثمار الثاني بممارسة القراءة. نعم لا تزال القراءة لدى البعض مجرد فعل ممل لا يمكن الالتزام به على الرغم من سحرها الأكيد ومتعتها الخيالية. ما أتحدث عنه فعلا يبعث على الملل ولكن هناك ما يمكن فعله للتعامل معه والاستفادة منه. القراءة من أجل التطوير المهني أو القراءة المهنية أمر لا غنى عنه في معظم ـــ إن لم يكن في كل ـــ الأعمال التي نقوم بها، فنية كانت أو أدبية، بسيطة أو معقدة. يعتقد البعض أن حضور الدورات أو قراءة الصحف ومتابعة الأخبار أو حتى الحديث عن أمر مهني ما في الممرات أو المكاتب كاف لصنع خلفية جيدة عنه. لا يوجد استثمار بديل للقراءة المهنية الذكية التي دائما ما تنتقل بصاحبها وتطور من باقة استثماراته الشخصية النوعية. تشمل القراءة المهنية القراءة الجدية لمختلف مصادر المعرفة المرتبطة بأعمالنا، مثل الأنظمة والقوانين ـــ الصادرة والقادمة ـــ والأوراق العلمية والمقالات وأفضل الممارسات والتقارير الفنية المهمة. لا يوجد ما يمنع الاستفادة من مهارات القراءة السريعة وتطوير أساليب الاستفادة من المستندات المطولة، لكن مجرد تجاهل فكرة القراءة بالكامل أو التقليل من قيمتها يعد خيارا استثماريا خاسرا. قابلت شخصيا أكثر من شاب يعمل في وظيفة مميزة ــــ بعضهم في مستوى تنفيذي الآن ــــ كانت وما زالت القراءة جزءا من حياتهم المهنية. كانوا لا يجدون بأسا في قضاء سويعات وبشكل شبه يومي مع مجموعة من الأوراق المطبوعة وقلم التظليل ــــ لاحقا أصبحت عادة القراءة من ملفات الـ PDF مهارة ضرورية. من يقرأ يشعر بالفرق مباشرة، والأهم أن مديريه يشعرون بذلك الفرق أيضا! من يقرأ جيدا يصبح كالمنقذ في الاجتماعات ويستطيع استدراك الأفكار والتفاصيل في النقاشات، ويتجاوب بطريقة أفضل من الذي لا يقرأ، ويمنح غيره أقوى مؤشرات الثقة به. الاستثمار الثالث وهو أيضا أمر تقليدي في أساسه إلا أنه مهم ويندر إتقاننا له، وأعني إدارة الوقت.لا يخفى على أحد أن إدارة الوقت تصعب في عصر السرعة والتقنية وكثرة أدوات التشويش التي تحيط بنا. ولكن مع ذلك تظل مبادئ إدارة الوقت التي تزخر بها أدبيات تطوير الذات هي نفسها، كل ما يتطلبه الأمر مجرد اهتمام وسعي خلف تطبيقها، بلا تسويف أو تجاهل. نعرف جميعا أن هذه الاستثمارات الشخصية "عادية" وليست جديدة أو مبتكرة، ولكن عندما نتحدث عن ممارستها فإننا دائما ما نكون مقصرين في ذلك. المشكلة أننا نهتم بحيثيات أخرى أقل أهمية وننسى هذه السلوكيات المهمة والمصيرية. الجمع بين هذا الثلاثي ــــ العلاقات والقراءة وإدارة الوقت ــــ والاستثمار فيه كفيل بصنع كم هائل من العوائد المهنية المجزية والسريعة، ولا أبالغ إن قلت إنها كفيلة بتعجيل الخطى في المسار الوظيفي والمهني وتمكين صاحبها من حصد أدوات النجاح بأسلوب معجل وفعال.
إنشرها