الفاشينيستا

حين ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن يظن كثيرون أنها ستتحول إلى طريق للثراء السريع من خلال ما يقوم به بعض مشاهير التواصل من إعلانات مدفوعة الثمن لشركات ومؤسسات أصبحت تتهافت عليهم بشكل جنوني لضمان تسويق منتجاتها وبضائعها خاصة بين الشباب والشابات، ما دفع كثيرين منهم لرفع سقف إعلاناتهم ليصل إلى أجر خرافي لا يستطيع أن يدفعه إلا أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة .
ظهور ما يعرف بلغة السناب شات والإنستجرام "بالفاشينيستا" لا يتطلب كثير من المؤهلات باستثناء أن تكون "الفاشينيستا" ذات قوام ممشوق، وتفكير سطحي، وتتشارك مع الآخرين خصوصيات حياتها، و"تستهبل" عليهم من خلال سرد المواقف اليومية لحياتها وتصويرها وعرضها على متابعيها حتى تكسب شعبية أكبر ما سيسهم في زيادة عدد متابعيها ومتابعاتها وهو ما يؤدي إلى زيادة ثمن الإعلانات التي تقدمها.
وأيضا عليها أن تولي اهتماما مبالغا بالمكياج وأنواعه وماركاته والفساتين وموديلاتها، وكذلك استعراض مناسباتها الخاصة وحفلاتها التي تحضرها والمطاعم التي تتردد عليها ويومياتها التي توضح مظاهر البذخ والحياة المخملية التي تعيشها، والصوت الناعم الذي يقطر نعومة حتى نكاد نشك أن مخارج حروفها غير مخارج حروفنا. ومن آخر اهتماماتها سنجد العقل والثقافة والمنطق والمشاركة المجتمعية والاهتمام بمستوى الوعي الفكري لأن كل هذه الأمور "ما توكل عيش" حسب تقديرها ولن تجلب لها متابعين حمقى يقودهم الفضول لمعرفة تفاصيل حياتها.
في إحدى المرات شاهدت مجموعة من المعجبات "فاشينيستا" يتابعنها فأخذن بالصراخ والهتاف لها وأصررن على دعوتها للعشاء بأحد المطاعم فقبلت دعوتهن والتقطن معها الصور واستمتعن كثيرا وبعد أن تم دفع فاتورة العشاء، مدت "الفاشينيستا" يدها ليضعن فيها ثمن وجودها معهن خلال هذه الساعة كاملة، صعقت الفتيات من ماديتها ومن المبلغ الذي كان يتجاوز 12 ألفا وهددتهن بإبلاغ الشرطة. فرضخن ودفعن لها.
ما يثير قلقي ليس السعار المادي الذي تسعى خلفه "الفاشينيستا"، بل مدى التأثير السلبي والتفكير السطحي الذي تحدثه في عقول شاباتنا ممن يعتقدن أن حياة الفاشينيستا هي الحياة الجميلة التي يحلمن بها. وما يثير قلقي أيضا التسخط الذي تشعر به النساء على حياتهن حين يتابعن الحياة المزيفة لهؤلاء. أما القلق الحقيقي فهو من الاستمرار في صناعة التفاهة وتسطيح العقول من "هالأشكال وطقتها".

وخزة
يقول وليام شكسبير: "أصعب معركة في حياتك حين يدفعك الآخرون إلى أن تكون شخصا آخر".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي