خطبة الجمعة .. بين النخبة والعامة
تعد خطبة الجمعة منذ العصر الإسلامي الأول، منارة للتوجيه والنصح وعلاج مشكلات المجتمع اليومية.. وفي بلادنا يحرص الجميع على متابعة خطب الجمعة سواء من الحرمين الشريفين أو من جوامع الجمعة المنتشرة على امتداد الوطن الكبير، ولذا تراهم يتحدثون عن مضمون هذه الخطب بعد الصلاة مباشرة في مجالسهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.. ومن هذا المنطلق يمكن القول إن خطبة الجمعة أداة فاعلة لنشر الوعي وإشاعة الأخلاق الحميدة والمحافظة على القيم، والتأكيد على الوحدة الوطنية ونبذ الشقاق والاختلاف الذي يحاول البعض نشره بين فئات المجتمع، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الترابط وتوجيه كل السهام، ومنها بعض التغريدات المسمومة، إلى الأعداء (بدل خدمتهم علمنا أو لم نعلم) بتصيد الأخطاء وتضخيم الحوادث الصغيرة بشكل ليس له وجود في معظم المجتمعات.
ولو عدنا إلى مضمون خطبة الجمعة لوجدنا أن هناك من يبذل جهدا في إعدادها ودعمها بالأدلة والشواهد، حيث تحرك القلوب وتشد المتلقي ليس برفع الصوت ومحاولة إدخال التوتر في النفوس، وإنما بالخطاب الهادئ المقنع الذي يوجه لعامة المصلين باختلاف أعمارهم وثقافاتهم واهتماماتهم.. وتأتي البداية من حسن اختيار موضوع الخطبة.. فبعض الخطباء ــ وفقهم الله ــ يختار موضوعا لا يهم إلا نخبة من المصلين كالدعاة والمرشدين بينما هناك من جاء ليسمع خطبة حول موضوع يتصل بحياته اليومية.. فأين خطباء الجمعة (إلا ما ندر) عن الحث على الصدق في المواعيد والأمانة في البيع والشراء وحسن الخلق الذي هو أول ما يوضع في الميزان.. وغيرها من الموضوعات التي قد يستفيد منها أكثر من 90 في المائة من الموجودين في المسجد.. وكي تتم الفائدة أقترح كما اقترح كثيرون قبلي أن تتم ترجمة خطب الجمعة في الحرمين الشريفين وفي الجوامع التي يوجد فيها الوافدون بشكل ملحوظ.. ولقد احتارت الجهات المختصة في كيفية الترجمة فجربت السماعات التي توزع مجانا عند مدخل الحرمين فلم تكن عملية على ما يبدو، ولذا فإن المتابع ليحزن كثيرا أن يسمع تلك الخطب الجميلة والمفيدة التي بذل فيها الخطباء جهدا كبيرا في الإعداد والإلقاء ثم لا يفهم محتواها إلا من يجيد اللغة العربية.. أما كيف يمكن أن تتم الترجمة فلعل تجربة أن يخصص شخص لكل لغة من اللغات التي يتشكل منها معظم الوافدين كي يلخص بعد انتهاء الصلاة أهم ما تضمنته الخطبة، مع التركيز بالنسبة للحرمين الشريفين على اللغة الإنجليزية التي يلم بها معظم سكان المعمورة.
وأخيرا: خطبة الجمعة كنز لم تتم الاستفادة منه على الوجه الأكمل لمصلحة المسلمين الباحثين عن العقيدة الوسطية الواضحة، خاصة إذا علمنا أن لدينا نحو عشرة ملايين وافد معظمهم لا يتحدثون العربية، إضافة إلى الحجاج والعمار والزوار الذين يعدون بالملايين كل عام.. وعلى المستوى الداخلي ما أحوجنا إلى الحث على الوحدة الوطنية ونبذ الخلافات الجانبية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ بلادنا التي تقدمت فيها لقيادة العالمين العربي والإسلامي للوقوف في وجه الأعداء بقوة تقوم على العقيدة الصحيحة والإسلام الوسطي المتسامح.