لاجارد تنافس نفسها فقط

"العالم محكوم بمؤسسات غير ديمقراطية. صندوق النقد والبنك الدوليان ومنظمة التجارة العالمية"
خوسيه سارامواجو - كاتب وأديب برتغالي راحل حائز على جائزة نوبل

عندما تقدمت وزيرة الاقتصاد الفرنسية السابقة كريستين لاجارد في عام 2011 لشغل منصب مدير صندوق النقد الدولي، خلفا لمواطنها دومنيك ستراوس- كان، لم يكن لها منافس حقيقي لها سوى رئيس البنك المركزي المكسيكي أوغستان كاسترنز. وهذا الأخير، دخل السباق آنذاك في الواقع بلا أمل يذكر للفوز بهذا المنصب المهم الحساس. لماذا؟ لأن القوى الكبرى (وتحديدا الغربية) حسمت مسألة من يرأس صندوق النقد منذ تأسيسه، على أن يكون (أو تكون) أوروبيا. لا عجب، طالما أن الاتفاق غير المكتوب بين القوى نفسها على أن يكون رئيس البنك الدولي أمريكيا. ليس مهما أن تكون أصوله هندية حمراء أو يابانية أو أيرلندية أو غير ذلك. المهم أن يتمتع بجنسية الولايات المتحدة. إنه تقسيم مريب ظالم، لكنه يبقى سائدا بصرف النظر عن الاحتجاجات ضده من بلدان تسعى لموطئ قدم أو أكثر في المؤسسات الدولية الكبرى.
بعيدا عن هذا الظلم المخطط له بصورة مفضوحة، لم تكن كريستين لاجارد سيئة في منصبها منذ خمس سنوات. وهي اليوم تستعد لخوض معركة مدير صندوق النقد لولاية ثانية بمفردها فقط. ببساطة ليس هناك مرشح آخر أمامها. فـ "معركة" الاختيار التي ستجري في الشهر المقبل، ستكون عبارة عن اجتماع لبقائها في منصبها بالتزكية. وهذا يؤكد أن الاتفاق عليها تم بالفعل، ولا خلافات بين الدول المهيمنة على صندوق النقد. ولهذا السبب فضل الكثيرون (من بين الأوروبيين طبعا) عدم خوض السباق إلى المنصب الرفيع، بصرف النظر عما إذا كان هناك مؤهلون أكثر منها أم لا. ولاجارد مرتاحة الآن أكثر من معركة الولاية الأولى، ولا سيما في أعقاب الإشادة بها حتى من بلدان ترى نفسها مظلومة في مطبخ صنع القرار داخل صندوق النقد، كروسيا، التي أيدتها.
والحق أن مديرة صندوق النقد الدولي قدمت أداء لا بأس به في ولايتها الأولى. واتسم أسلوبها في التعاطي مع المشكلات والأزمات الاقتصادية العالمية بالحزم والصراحة. كما أنها (وهذه النقطة الأهم) لم تورط بلدانا في قروض كفيلة في إطلاق ثورات شعبية، وبالتالي لم تتمسك بالسياسة العقيمة للصندوق التي اتبعت في إقراض الدول في العقود الماضية، وتسند بالدرجة الأولى إلى إصلاحات. بالطبع ليس هناك أحد يقف ضد الإصلاحات أيا كان حقلها، ولكن شروط صندوق النقد هي أقرب إلى القضم من معيشة شعوب البلدان التي تحتاج إلى مساعدة الصندوق، منها إلى إصلاحات واضحة. دون أن ننسى أن هذه الشروط تسببت على مدى عقود أيضا، في اندلاع احتجاجات في غير بلد، وضربت استقرارا كان يمكن التأسيس عليه من خلال إصلاحات رؤوفة أكثر.
لا شك في أن كريستين لاجارد حققت انتصارات حقيقية على صعيد معالجة أزمة الديون السيادية في أكثر من بلد أوروبي. صحيح أن هذه الأزمة لا تزال ماثلة (ولا سيما في اليونان)، إلا أنها تمكنت من احتوائها بأقل قدر من التسهيل خصوصا فيما يرتبط بالإصلاحات. لا أحد يتوقع أن يقدم صندوق النقد المساعدة لأي بلد دون شروط، غير أن هذه الشروط كانت مقبولة حتى من قبل جهات سياسية متطرفة على الساحة الأوروبية، التي ترى في صندوق النقد مؤسسة عدوة لا صديقة. فحتى قادة اليونان اليساريون تفاهموا بأقل قدر من الخلاف مع صندوق النقد بقيادة لاجارد، التي استندت بلا شك إلى دعم قوي من جانب الحكومات الأوروبية غير المدينة، أو المساهمة المباشرة في عمليات الإنقاذ المالية.
ويحسب لكريستين لاجارد أيضا، أنها اهتمت بالاقتصادات الناشئة بصورة كبيرة، واعتبرتها جزءا مشرقا على الساحة الاقتصادية العالمية في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي انفجرت في عام 2008. وقد أعطت للصين (مثلا) دورا أكبر في الساحة. دون أن ننسى حزمة الإنقاذ المالي الدولية الناجحة لأوكرانيا. هذا ليس للإشادة بمديرة صندوق النقد، ولكن للإشارة إلى أنها أدخلت سلوكيات ومفاهيم جديدة ضرورية على الممارسات التي يقوم بها صندوق النقد الدولي. بما في ذلك صراحتها النادرة في تقييم أوضاع بلدان تعتقد أن سمعتها لا تمس. يقول المتابعون لأداء الصندوق، إن المديرة تميزت بقدرة فائقة، بل مذهلة على ماذا؟ على تجميع الناس حول القضايا العالمية الرئيسة. وأكثر من ذلك، قدرتها على الدفع باتجاه الحلول.
وما لا شك فيه أيضا، أنها استطاعت أن تحظى بتأييد حتى الدول المختلفة فيما بينها حول القضايا الاقتصادية المطروحة والمتفاعلة. دون أن ننسى أنها استطاعت تقديم أفضل أداء بين أقرانها الأوروبيين عندما كانت وزيرة لمالية فرنسا خلال الأزمة الاقتصادية العالمية. وليس معنى هذا أنها استطاعت احتواء الأزمة (من احتواها أصلا حول العالم)، بل قللت من ضرباتها ما استطاعت. وهذا بحد ذاته يعتبر انتصارا في وقت كان أصحاب القرار لا يزالون في حالة استيعاب الأزمة وما جلبته معها من مصائب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي