مساواة الجنسين على الطريقة السويدية
يبدو أن انخفاض درجات الحرارة إلى نحو 20 درجة تحت الصفر في أغلب المناطق في السويد محفز للنشاط بدلا من السبات.
قد يكون المناخ القاسي هذا عذرا في كثير من المجتمعات للانكماش والكسل أو على أقل تقدير الجلوس في البيت تجنبا للأذى ولكن ليس في السويد.
الحياة، كما قلنا سابقا في هذا العمود، تستمر في السويد مهما زاد الطقس سوءا. لا بل الكثير من المعجزات (أو التقليعات كما يحلو للبعض تسميتها) يستنبطها السويديون في ظروف مناخية قاسية جدا.
لا أعلم متى يكف هؤلاء الناس عن التميز والإبداع. كثير هي الابتكارات والبدع والمخترعات والمستحدثات التي يتوصل إليها السويديون. ولا تمر فترة وإلا نحن أمام واحد منها يهزنا ويهز العالم معنا.
قد لا يدور في خلد الكثيرين أن في السويد وزارة خاصة تعنى بشؤون مساواة المرأة والرجل. وتعد هذه الوزارة التي ترأسها امرأة واحدة من أكثر المؤسسات السويدية تأثيرا وسلطة.
وعندما نتحدث عن المساواة فهذا يعني أن الجنسين يجب أن يكونا متكافئين في شؤون الحياة ومفاصلها كافة بشتى فروعها.
وهذه الوزارة لها من يمثلها في أغلب الدوائر والمؤسسات. ولموظفيها كل الحق بمتابعة تنفيذ قوانين المساواة في السويد وتقديم شكاوى إلى الشرطة والمحاكم عند حدوث أي انتهاك لها.
تقديم شرح لهذه القوانين والتشريعات قد يحتاج إلى كتاب سميك من مئات الصفحات ولكن دعني هنا أركز إلى ما جادت به قريحة هذه الوزارة أخيرا حول إجازة الأمومة التي كانت في السابق من حصة المرأة خصيصا.
من حق كل أم أن تبقى مع طفلها حديث الولادة نحو 500 يوم مدفوعة الأجر تقريبا بالتمام والكمال عدا المخصصات الأخرى التي تحصل عليها.
الإجازة هي حصة الوالدين ولكن قلما استمتع بها الآباء حيث كانوا يتركون شؤون تربية الطفل وعنايته للأم.
ليس هناك خدمة منزلية في السويد وتربية الأطفال شأن الوالدين، وحسب علمي ليس هناك والدان في السويد يتركان تربية أولادهما للخادمات أو المربيات.
السويديون مولعون بالمساواة ولا سيما بين المرأة والرجل. وقد تأخذ الأمور اتجاهات قد لا يقبلها أغلبية الشرقيين ويعانيها القادمون الجدد أشد المعاناة بعض الأحيان.
ورأى البعض أن إجازة الأمومة بشكلها الحالي تنتهك مبدأ المساواة لأن العبء الكبير أو ربما أغلبه يقع على الأم التي تأخذ إجازة طويلة (مدفوعة الأجر) من العمل بينما الأب لا يقوم بواجباته تجاه طفله.
وزادت شكاوى الأمهات وطلبن المساواة.
وأتى قرار وزارة المساواة ربما صادما في نظر الكثير من القراء ولكن جريئا عادلا شيقا ممتعا بالنسبة للرجال من السويديين.
حسب القرار الجديد الرجال ملزمون بالبقاء مع أطفالهم حديثي الولادة فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر تعود فيها الأم إلى العمل. وأتى القرار بعد فترة تجريبية شارك فيها مئات الآباء. وتقول الوزارة إنه في نيتها زيادة المدة التي يجب على الآباء البقاء مع الأطفال حديثي الولادة.
وتلقف الرجال الفرصة وانهالت الطلبات على أصحاب العمل من الآباء للتمتع بالإجازة.
وصار القرار حديث الصحافة والشارع والبيت.
صور ثابتة ومتحركة للآباء وهم يكنسون البيت ويطبخون ويعتنون بأطفالهم الصغار من تنظيف واستحمام وتبديل وأكل وشرب احتلت صدارة الصحف وفترات الذروة في القنوات التلفزيونية.
وبرزت ظاهرة جديدة في الشوارع والحدائق العامة. الرجال يدفعون عربات أطفالهم ويطعمونهم ويعتنون بهم أمام المارة والسعادة تغمر وجوههم.
وظهرت نواد ومقاه وأماكن عامة يجتمع فيها الآباء مع أطفالهم ويتبادلون الحديث عن الظاهرة الاجتماعية الجديدة هذه.
وكما هو الحال أمام أية ظاهرة جديدة في السويد، صارت مسألة بقاء الرجال في البيت لعناية الأطفال الصغار جزءا من الدراسات والأبحاث الأكاديمية التي تجريها الجامعات ومراكز البحث.
وقامت الشركات الكبرى والصغرى بتمويل هذه الدراسات.
أرباب العمل فرحون بهذا القرار. لقد أظهرت دراسة جامعية تناقلتها الصحافة أن الرجال العائدون للعمل بعد فترة ثلاثة أشهر من قيامهم بالخدمة المنزلية في البيت زاد إنتاجهم عن السابق وهم أكثر سعادة وغبطة وودا في التعامل مع زملائهم في العمل.