الإدارة الوسطى .. وعالم الشركات المتغير

بإمكان المديرين في مستوى الإدارة الوسطى الأخذ بزمام المبادرة في عالم الشركات المتغير، في حال آمنوا بأن قيمتهم الأساسية عاطفية، وليست وظيفية.
يتوارد إلى مسامعنا أن جيل الشباب الجديد الذي يمثل النسبة الكبيرة من القوى العاملة في الولايات المتحدة، يكره المديرين التقليديين، حيث يعتقد عديد من هذا الجيل أنهم مؤهلون للقيام بمهامهم بشكل مستقل ومن دون إشراف، مدفوعون بإحساسهم بالمسؤولية ووعيهم بالأهداف التي يريدون الوصول إليها. وإذا ما خيروا بالعمل في شركة تقليدية أو شركة ناشئة ستفضل الأغلبية الساحقة العمل في الشركات الناشئة. فإذا ما كان هذا رسما دقيقا لصورة جيل الشباب، فإن الشركات التي تسعى لجذب هذه الشريحة ومحاولة استبقائها لن يبقى أمامها خيار سوى إعادة هيكلة الشركة وفقا لذلك، وتغيير أسلوب الإدارة الهرمية على وجه التحديد.
الأخبار السيئة للإدارة الوسطى أنه عاجلا أو آجلا "وعلى الأرجح في الوقت القريب" عليهم أن يثبتوا لأرباب العمل أن أهمية الإدارة الوسطى تتخطى مجرد مسؤوليات الوظيفة التقليدية. أما من الناحية الإيجابية، فلا ينبغي الاعتماد على الصورة النمطية المرسومة عن كل من الإدارة الوسطى والجيل الحالي، حيث ستلعب الإدارة الوسطى دورا محوريا في رسم مستقبل الشركات. من المفارقة أن رفض الجيل الجديد نظام الهرمية نابع من التسلسل الهرمي الأكثر تأثيرا وهو الأسرة. أو ما يطلق عليه "الآباء الكثيرو الاهتمام" و"متابعو الإنترنت" أعطى جيل الألفية مستوى غير مسبوق من احترام الذات، ولكنه أيضا جعل لديهم توقا للارتباط العاطفي ـــ الشعوري مع رموز السلطة وكذلك الأصدقاء والزملاء، وحتى الإعجاب بالغرباء من قريب أو بعيد. يتعين على الشركات ألا تسيء تفسير هذه الرغبة على أنها كراهية عمياء للتسلسل الهرمي. فهي في الواقع من أهم أسباب حاجة جيل الشباب إلى إشراف الإدارة المتوسطة. فهذا الجيل نشأ في عصر السرعة والرسائل النصية والبريد الإلكتروني، لذا يتوقع الحصول على ردود فعل وجدانية. يحفزهم الإطراء والمديح أكثر من إغرائهم بترقية أو راتب، الأمر الذي اعتادوه من خلال استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي. فمن دون وجود إدارة وسطى ترضي تطلعاتهم، سيلجأ جيل الشباب إلى الإدارة العليا، وهذا ما قد يفسر تلقي المديرين التنفيذيين عديدا من الطلبات لمقابلتهم من قبل المتدربين، وهذا بدوره ستنعكس آثاره السلبية على الجميع.
تظهر توجهات الجيل الجديد، أننا ننتقل إلى عصر تحكمه المشاعر سواء رغبنا في ذلك أم لا. حيث يتوقع من الشركات إرضاء الاحتياجات العاطفية لجميع الشرائح التي تتعامل معها. وليس من المؤكد أن ذلك يعني أن إلغاء نظام التسلسل الهرمي هو الخيار الأفضل المتاح أمام الشركات للتحضير لهذا التغيير الكبير.
ومن الصحيح أنه من دون المديرين، سيصبح الموظفون قادرين على الوقوف على أقدامهم، ما يعزز عندهم مشاعر الفخر وتقرير المصير. ولكن بوجود مديرين مؤهلين، سيعرف الموظفون أين يقفون. تأتي التوقعات مع قدر معقول من الاستمرارية والوضوح، ويتم تقييم أداء الموظفين من قبل شخص يشاركهم مؤشرات الأداء الرئيسة عوضا عن اللجوء إلى زملائك اللذين قد ينظرون إليك كمنافس.
غالبا ما يساء فهم مديري الإدارة الوسطى، وعلى الرغم من ذلك لا بد من القول إنهم لم يساعدوا على تحسين صورتهم على العموم. كما أن اتهامهم بأنهم كثيرا ما يفتقرون إلى لمسة من الإنسانية ليس صحيحا تماما. مع أن هذا الاتهام يعتبر مبررا إلى حد كبير عند التفكير في الأمر مليا. فعادة ما تستند ترقيتهم الوظيفية إلى تميز أدائهم الوظيفي، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل مهاراتهم الأخرى. ولا عجب أنه عندما يطلب منهم قيادة الإدارة الوسطى يتبنون في كثير من الأحيان أسلوبا يتطلب منهم قدرا أقل من الدهاء عن طريق إعطاء الأوامر والسيطرة. التعامل مع هذه النوعية من المديرين ــــ وأغلب الظن معظمنا قد صادف واحدا على الأقل ــــ كاف لأن يجعلنا نفهم أسباب المطالبة بأسلوب زابوس المعادي للإدارة. ولكن اتخاذ الخطوة التي طال انتظارها بتمكين الإدارة الوسطى من القيام بدور أكبر من الناحية العاطفية، يعتبر أفضل طريقة للقيام بتغيير منهجي. وبهذه الطريقة تستطيع الشركات تحقيق الاستفادة القصوى من ثقافتهم العاطفية العميقة خاصة عند توليهم مناصب في القيادة العليا. يبقي ما كتبته في عام 2001 صحيحا: مديرو الإدارات الوسطى هم الأبطال المجهولون لأي تغيير جذري.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي