معجزة سويدية جديدة
السويد تكسوها الثلوج اليوم. درجات الحرارة منخفضة إلى مستويات متدنية وقد تصل في كثير من الأماكن إلى نحو 20 درجة تحت الصفر.
السويد ربما هي الدولة الوحيدة في العالم تستمر الحياة فيها بصورة طبيعية بغض النظر عن الأجواء المناخية.
الحياة معدة سلفا كي تستمر في أقسى الظروف المناخية حتى وإن كست الثلوج الطرقات وتجمدت البحيرات.
وحالة التجمد قد تستمر أشهرا طويلة. بيد أن الشوارع لا ينقطع فيها السير. حركة النقل العمومية، حركة التنقل داخل المدن والقصبات وخارجها، لا تتوقف.
والمذهل أن المارة والمشاة يستخدمون طرق السابلة المخصصة لهم بيسر ودون حوادث تذكر رغم التجمد والثلوج.
ما إن ينزل الثلج ويفترش الصقيع الطرقات حتى تبدأ البلديات بإزالته وفرش الطرق المخصصة للمارة والدراجات الهوائية برمل صناعي خشن بعض الشيء لتثبيت الأقدام وإطارات الدراجات الهوائية من الانزلاق.
السويد تنتج الرمل أو الحصو الصناعي على نطاق واسع ويستخدم في صناعات عديدة منها الاستخراجية مثل الفوسفات والأسفلت والنفط والفلزات.
وفي هذا البرد القارص تشاهد أصحاب الدراجات الهوائية مع خوذاتهم التي صار ارتداؤها إجباريا أخيرا وبدلاتهم المطرية في طريقهم من البيت إلى العمل أو من العمل إلى البيت وهم يقودون دراجاتهم الهوائية وكأن الجو صحو والدنيا ربيع.
هناك كثير مما يميز هذا البلد حتى عن محيطه وبيئته الإسكندنافية. وكثيرة هي الطفرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والصناعية التي بدأت هنا في السويد ومنها انتقلت إلى أنحاء أخرى في العالم.
وآخر معجزة تحدثنا عنها في هذا العمود كانت التخلي عن استخدام النقود الورقية أو المعدنية بصورة شبه كاملة. المصارف لا تتعامل مع النقود والدراهم، والسحب والإيداع النقدي في طريقه إلى أن يصبح من الماضي.
واليوم تطل علينا السويد بتقليعة أو بالأحرى معجزة جديدة كان تطبيقها حتى الآن محدودا ودخل حيز التنفيذ من قبل الحكومة والقطاع الخاص في مستهل هذا العام.
سيتم تقليص ساعات العمل من ثمان إلى ست في اليوم مع بقاء يومي السبت والأحد عطلة رسمية.
لقد أظهرت الدراسات الأكاديمية أن إنتاج الفرد يرتفع وسعادته تزداد عند تقليص ساعات عمله من ثمان إلى ست.
وأظهرت الدراسات أيضا زيادة في إنتاجية المعامل والمصانع والدوائر والمنشآت الخدمية والصناعية رغم تقليص ساعات العمل.
يبلغ تعداد القوى العاملة في السويد للأعمار من 15 إلى 75 سنة أكثر من أربعة ملايين ونصف مليون نسمة من عدد سكان يبلغ نحو تسعة ملايين.
المرأة العاملة تمثل أكثر من 40 في المائة من القوى العاملة ومن دونها ينهار الاقتصاد والخدمات ونظام الرفاهة السويدي الذي تضرب به الأمثال اليوم.
هؤلاء الملايين الأربعة من العاملين ونيف ينتجون دخلا قوميا إجماليا يفوق 570 مليار دولار محسوبا بسعر الصرف (إحصائيات 2014).
والقوى العاملة في البلد سويدية المنشأ. هناك نحو مليون شخص من أصول أجنبية في السويد، ولكن أغلب هؤلاء اندمجوا في المجتمع ويحملون الجنسية السويدية ويفتخرون بوطنهم الجديد.
الأنظار من مختلف الدوائر ومراكز البحث منصبة على التجربة السويدية أو المعجزة السويدية الجديدة. الكل في شوق ولهفة لمعرفة ما ستحدثه من تغيرات جوهرية، سلبية أو إيجابية، في بنى البلد الاقتصادية.
والتوقع هو أن السويد مقبلة على طفرة جديدة في الإنتاج في الحلقات الصناعية بمختلف أصنافها والخدمية بشتى مجالاتها.
والدولة قد جندت طاقاتها لمراقبة هذه التجربة والمسؤولون يقولون إنهم دشنوها بناء على دراسات أكاديمية رصينة وإن مجامع بحثية عالية المستوى تشرف عليها.
وجرى تقليص كبير لساعات العمل المهدرة وكذلك تقليص نسبة العمال مقابل إنجاز العمل.
موقع إنشائي لعمارة سكنية من عشرات الشقق يتم بناؤه حسب أرقى المواصفات من قبل أقل عدد ممكن من العمال والمهندسين قد لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين.
تستند الشركات إلى تقنيات فائقة التطور في البناء. المنشأة ذاتها قد يعمل فيها مئات العمال في الخليج مثلا.
وتقليص ساعات العمل جعل من مبدأ "اخدم نفسك بنفسك" بمثابة قانون. الناس تقوم بنفسها بكثير من الخدمات التي تقدمها أفواج من العمالة الأجنبية في أماكن أخرى.
ويتطلع السويديون الآن رغم تقليص ساعات العمل ليس إلى الحفاظ على دخلهم القومي ورفاهة مجتمعهم بل إلى زيادة الدخل وتعزيز الرفاهة.