اقتصاد الخراب في إيران
ربما الاقتصاد الإيراني، هو الاقتصاد الوحيد الذي لا تحتاج معه إلى مختص في الاقتصاد لقراءة آفاقه (إن كان له آفاق)، أو مصيره في المدى المنظور. كما أنه لم يشهد ازدهارا حتى قبل العقوبات الغربية التي فرضت على هذا البلد، ولم يحقق تحت نظام الملالي الشرير، أي نقلة نوعية على الصعيد الاقتصادي. بل حقق في الواقع نقلات مدمرة للاقتصاد والمجتمع، إلى درجة حدوث اضطرابات عديدة في السنوات الماضية، بفعل تردي الأحوال المعيشية للإيرانيين، وانتشار الفساد في كل المؤسسات الرسمية وفي مقدمتها المؤسسة الدينية نفسها، إلى درجة أن أصبح هذا الفساد "ممأسسا". ومرشد ما تسمى "الثورة"، يحمي نفسه من خلال تحميل المصائب الاقتصادية وحتى السياسية إلى الحكومات المتعاقبة والرؤساء الذين يصلون إلى الحكم.
قبل وصول حسن روحاني رئيسا لإيران، كانت هناك هجمة لتحميل سلفه أحمدي نجاد مسؤولية الخراب الاقتصادي. والحقيقة أن هذا الأخير كان مخربا بصورة ممنهجة، لكنه مارس التخريب وفق الأطر التي توفر له الحماية المطلوبة من أعلى سلطة في بلد وجد أن الاستثمار في التخريب في الدول الأخرى، أفضل من الاستثمار في إصلاح الخراب الاقتصادي والمعيشي الإيراني الداخلي! ولم يكن غريبا، أن يقتطع نظام الملالي من قوت شعبه، من أجل المشاركة الفاعلة المباشرة في قتل الشعب السوري، بدعم سفاح كبشار الأسد لم يشبهه سفاح في التاريخ الحديث. ولم يكن غريبا أيضا، أن ترصد الأموال الهائلة ولا تتوقف لدعم أنظمة وعصابات "كحزب الله والحشد الشيعي العراقي وغيرهما" تعمل ليس لحساب إيران، بل لحساب النظام الحاكم فيها.
الأموال تتدفق على المجرمين، ويحرم منها الإيرانيون. ليس هذا فقط، بل إن الأموال حرّمت حتى على وسائل الإنتاج "كحقول النفط ومصافيها"، التي أصبحت في حالة ما قبل الانهيار والتوقف عن العمل. لماذا؟ لأن نظاما طائفيا عنصريا شيعيا كالذي يحكم إيران، أحب الاستثمار في الخراب لا في الإصلاح ولا النمو ولا بالطبع الازدهار، ويتمتع بعوائد هذا الاستثمار، على الرغم من بشاعتها وظلمها وبعدها عن الحق. إنها مسألة عقيدة عن نظام الملالي، المهم الإبقاء على حملة الترويج المستمرة لما أسموه ظلما "الثورة"، على أمل العثور عن مشترين لهذه البضاعة المشينة الفاسدة الدنيئة. لا يوجد اقتصاد حقيقي في إيران، لأن الحرس الثوري يمتلك ما يوازي نصف الاقتصاد القومي، ولا يخضع رقابيا لأي جهة حكومية.
كما أن هناك ما يعرف باقتصاد الظل، أزاح مزيدا من مقومات الاقتصاد المحلي. تكفي الإشارة إلى مصيبة القروض المضمونة بعدم إعادتها، وهي تمنح للمقربين من النظام. وكذلك الأمر بالنسبة للبطالة المتزايدة التي بلغ عدد "منتسبيها" 23 مليون نسمة، دون الإشارة إلى التضخم الذي لا يتوقف ارتفاعا، وزيادة أعداد الشريحة التي تنتمي للفقراء في كل أنحاء البلاد، بما في ذلك تلك التي تعد من المناطق الأكثر غنى مقارنة بغيرها. في إيران لا توجد أزمة اقتصادية مستمرة فقط، بل أزمة اجتماعية تنال من الإيرانيين العاديين أنفسهم، الذين لا علاقة لهم بنظام مرشد لم يقد إيران "في الواقع" إلا إلى مزيد من الأزمات والمصائب. لقد بلغ الأمر في هذا البلد، أن تأخرت رواتب حتى أولئك الذين يعملون في المواقع النووية السرية والعلنية في البلاد.
لا يوجد بصيص أمل في تحسن الاقتصاد الإيراني في أعقاب الرفع الكامل للعقوبات المفروضة عليه. فمرحلة الانتقال من اقتصاد طائفي سياسي عنصري موجهة إلى اقتصاد وطني حقيقي لا تتطلب وقتا فقط، بل تتطلب نظاما إيرانيا جديدا يعمل من أجل البلاد، وليس من أجل تسويق منتج طائفي بغيض دنيء مشين.