الإدارة تصنع التغيير

نقرأ ونسمع كثيرا عن شركة متعثرة توشك على الإفلاس، أو أفلست بالفعل، لكن تغييرا في إدارتها العليا يحدث انقلابا في وضعها، ويعيدها إلى وضعها الطبيعي، وتستعيد عافيتها، وتبدأ تحقق أرباحا، ويكون لها شأنها في السوق بعد أن تكون قد أوشكت على الخروج منه. في الثمانينيات الميلادية أعلنت شركة كرايسلر في الولايات المتحدة إفلاسها إلا أن اختيار مدير ناجح لها أنقذها، وأعاد لها وضعها في سوق السيارات. كما نسمع ونقرأ عن قيادات إدارية برزت في هذا البلد، أو ذاك عبر التاريخ، وتركت بصماتها في المجال الذي تعمل فيه، سواء في القطاع العام، أو القطاع الخاص.
ما دعاني لكتابة هذا الموضوع مراجعة قمت بها لإحدى الوزارات لإنجاز إحدى المعاملات، وهذه أول مرة أذهب فيها لهذه الوزارة، وكل ما أعرفه عنها هو مظهرها الخارجي الجميل الذي أراه، كلما مررت بذلك المكان. عندما وصلت إلى المكان هممت بالدخول من الباب الرئيس راجلا، وليس بالسيارة، وهذا هو الوضع الطبيعي في كل الوزارات، والهيئات الرسمية، لكن فوجئت بالعسكري على البوابة يطلب مني الدخول من الباب الخلفي للوزارة، وعند سؤاله عن السبب قال لدي أوامر، وأنا أنفذها ولا أستطيع السماح لك بذلك، وقد صادف ذلك وجود شخص آخر جاء للمراجعة مثلي.
نزولا عند توجيه العسكري اضطررنا للذهاب إلى الجهة الخلفية، وفي الطريق تبادلنا الحديث حيث أفادني أن خبراته مع الوزارة ليست جيدة، حيث إنه ليس من السهل إنجاز المهمات، إذ إنه لا يمكن الحصول على المعلومة من الموظفين، وكل واحد يحيلك إلى الآخر، وكأن كل واحد يتظاهر بأنه لا يعرف، أو أنه فعلا لا يعرف، أو أن هذا أسهل أسلوب للتخلص من الإجابة عن الاستفسارات. استرعى انتباهي ما قاله من ترافقت معه للدخول من البوابة الخلفية مقارنته بين الوزراء الذين مروا على الوزارة من حيث كفاءتهم الإدارية، وقدراتهم التنظيمية، حتى شعرت أنه صاحب خبرة في الوزارة رغم أنه مراجع، كما فهمت منه، ولن أعرض مقارناته بين الوزراء حفاظا على حقوق الأشخاص.
المشاهدات التي وجدتها في الوزارة أكدت لي كثيرا مما ذكره المراجع الآخر، إذ عند وصولنا إلى البوابة الخلفية وجدناها مغلقة ما اضطرنا إلى النزول إلى مواقف السيارات في القبو، بحثا عن طريق يدخلنا إلى المبنى الرئيس، وبالطبع صاحبي هو الدليل، لقد استأت، وشعرت بالغضب ليس انتصارا لنفسي لكن المراجعين، فيهم كبار السن، ومن يستخدم العكازات، حيث كان الجميع يتلمس طريقه بين السيارات المتراصة في المواقف، حتى أن الجميع كان يؤمل وجود مصعد في الموقف لكن خاب أملنا واضطر الجميع لاستخدام الدرج، وللقارئ أن يتصور كيف بمن يستخدم العكازات أن يصعد الدرج. من الملاحظات السلبية الكراسي، والطاولات، والدواليب المتكدسة في مستودع بصورة مبعثرة، وغير لائقة، كما أن الملاحظات لا تقتصر على هذه الأشياء، بل في الدور الخامس الذي كان محطتي للمراجعة، حيث الموظفين المتكدسين في أحد المكاتب بصورة بدائية، تفتقد أبسط بديهيات التنظيم، حتى أن إطلالتي السريعة أشعرتني أن لا عمل لديهم، ومع ذلك عندما سألتهم لم أجد من يعطي الإجابة عن سؤالي. ويضاف إلى ذلك وجود كراسي، وطاولات في الممر، حتى أن الفرد يشعر بالوحشة في المكان.
بعد إنجاز المهمة دار حديث بيني، وبين الموظفين عبرت فيه عن استيائي، بصورة واضحة لا لبس فيها، بل قلت إن هذا الوضع لا يشرف، حتى أن من وجهت حديثي له عبر عن موافقته على ما قلت لكنهم كموظفين صغار لا يمكنهم فعل شيء.
في محاولة مني لمعرفة أسباب إغلاق البوابة الرئيسة ذهبت بعد إنجاز المهمة للخروج من تلك الجهة، لكنها مغلقة، وما لفت نظري سيارات فخمة متوقفة بجوار المبنى الرئيس فأدركت أن سبب إغلاق البوابة الرئيسة هدفه حصرها لدخول وخروج صاحب المعالي، وكبار مسؤولي الوزارة، وما من شك أن تفكيرا إداريا كهذا لا يمكنه أن يحقق نجاحا، فالوزارة، والوزير، وكافة العاملين هم لخدمة الوطن، والمواطنين، والأجدر أن تهيأ كافة السبل التي تسهل، وتهون عليهم إنجاز مهماتهم، بدلا من اضطرارهم للدخول من الأبواب الخلفية ومواقف السيارات. وبعد ما شاهدته وخبرته بنفسي تيقنت أن الإدارة إما أن تصنع التغيير نحو الأفضل والأحسن وإما أن تغير الوضع للأسوأ، ولعله من المناسب إخضاع الوزراء ونوابهم لدورات تدريبية تنقلهم من الإداره التقليدية المتخلفة إلى الإدارة العصرية إذا ما أردنا الانطلاق بوطننا نحو عصر المنافسة التي لا ترحم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي