حريق مستشفى جازان .. وغياب المراجعة الداخلية
الحادثة التي وقعت في مستشفى جازان لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت نتيجة محتملة لكثير من التراخي والإهمال في تطبيق إجراءات السلامة في المستشفى، ومثله كثير من المستشفيات والمدارس والجامعات وقصور الأفراح وغيرها. بعد حدوث الكارثة وبشجاعة تصدى وزير الصحة في تغريدة قائلا: "القدر الأكبر من (المساءلة) حول حريق مستشفى جازان يقع على المسؤول الأول عن قطاع الصحة ولذا (فالمساءلة) تقع علي شخصيا قبل أي أحد". شجاعة الوزير، القادم من أكبر شركة للنفط في العالم، قادته لتحمل المسؤولية أمام الجميع في خطأ، لم يكن له يد فيه إلا في حالتين فقط. المساءلة هنا يجب أن تتجه صوب من ساهم في تشغيل هذا المبنى دون وجود الحد المقبول من وسائل السلامة، ومن قام بإغلاق مخارج الطوارئ دون استشعار لما قد ينتج عن ذلك من مخاطر.
المساءلة Accountability مصطلح كبير لم يطبق في قطاعنا الحكومي بشكله الصحيح. ويُرى أن المساءلة وسيلة للحد من المخاطر المحتملة للإخلال بالمسؤولية ورفع ثقة المستفيدين. وتوضح المساءلة بأنها عملية الإبلاغ عن مسؤولية الإجراءات الشخصية في إطار علاقة السلطة بين الأطراف المعنية، حيث القانون والعقود والأعراف تخصص علاقة المساءلة بين طرف والطرف آخر (روزينفيلد، 1974). ولتحقيق المساءلة يجب توافر المعلومات Information التي تمكن المسؤول من اتخاذ قرار بناء على المخاطر المتوقعة. في دراسة قام بها سنكلير (1995) مع الرؤساء التنفيذيين في القطاع العام الأسترالي، صنّف المساءلة في أشكال مختلفة، وهي السياسية والعامة والإدارية والمهنية والمسؤولية الشخصية. وحيث إن المساءلة أداة من أدوات تطبيق الحوكمة الجيدة، فإن كثيرا من الدراسات ترى أن المساءلة لا تطبق بشكلها الجيد في بيئتنا.
وهنا أود أن أطرح تساؤلا قد يجيب عليه الوزير: ما الذي تم في وزارتكم بخصوص تفعيل المراجعة الداخلية والتي كانت ستكون مؤشرا مهما على وجود مخاطر في قطاع الأمن والسلامة في المستشفى، وكانت ستقودكم لمعرفة المقصرين قبل حدوث الكارثة ومحاسبتهم بدلا من التصدر للرأي العام بتحملكم المسؤولية والتي نعلم جميعا أنها كانت نتائج إهمال سابق؟.
المراجعة الداخلية ووجود أنظمة حاكمة وواضحة ستؤدي للمحافظة على أرواح البشر أولا، والمحافظة على الممتلكات العامة والمال العام ثانيا، وتحارب الفساد وتقضي تماما على أي فرص لوجود فساد من أي نوع، فهل يتم تفعيلها الآن، أم ننتظر كارثة أخرى؟.
حمى الله وطننا وشعبنا من الكوارث.