الإسلام .. والإرهاب

هناك حملة كبيرة لربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب. وهذه الحملة، في عيون القائمين عليها، هناك ما يبررها.
والتبريرات كثيرة ومتشعبة، بيد أن أغلبها إن لم يكن كلها، تقع خارج سياق الذي ترد فيه.
قد يتصور البعض أن مرد الحملة هذه هو الغرب وصحافته وإعلامه. هذا صحيح إلى حد ما. لا تخلو وسيلة إعلامية غربية من عدة مقالات كل يوم تتناول فيها الإسلام والمسلمين. في أغلب هذه المقالات هناك ربط بين الإسلام أو مجموعات إسلامية والإرهاب.
وليس الأمر مقتصرا على الإعلام. الإعلام خطاب discourse والخطاب مرآة المجتمع. ما يأتي به الإعلام يعكس الواقع الاجتماعي والواقع الاجتماعي ينعكس في الخطاب الذي ينقله الإعلام.
لا أظن سيأتي اليوم الذي يرضى فيه الغرب عن الشرق ولا الشرق عن الغرب. التصادم يبدو أنه أزلي. ما إن يزول سبب أو عذر حتى نصبح أمام أسباب وأعذار أخرى.
منذ نشوء الإسلام ودولته، والشرق والغرب في صراع. والصراع لا يعني أن الجانبين يتقاتلان بالجيوش. الصراع صراع ثقافات وحضارات. إنه صراع الكلمة والخطاب.
والإعلام، وهو أخطر الأسلحة المتوافرة للدول والمجتمعات والمجموعات والفرق، لا يترك مناسبة دون أن يزيد من طين الصراع هذا بلة ومن ناره حطبا.
ولكن هذه المعركة، التي ربما لا نهاية لها، معركة غير متوازنة، خطابيا وإعلاميا وعسكريا واقتصاديا وفي غيره من النواحي كثير.
لأول وهلة يتصور البعض أن الصراع هو بين المسلمين كأمة ودين والغرب كأمة وحضارة وثقافة (لا نقول الدين لأن اللا دينية – الإلحاد – هي السائدة اليوم في الغرب).
إن قرأنا الخطاب المرافق لكل عملية إرهابية في الغرب تقوم بها مجموعات إسلامية وقارناها بخطاب "الاعتذارية" الذي ينطلق من الشرق كردة فعل، لرأينا اختلافات جوهرية بين الاثنين.
الغرب يواجه الشرق ككتلة واحدة وكأنه أمة وشعب ودين واحد. الشرق منقسم على نفسه. و"الشرق" كمصطلح أعني به الدول والشعوب التي تعيش في الشرق الأوسط حصرا.
والانقسام في الشرق ولد حالة من ردة فعل في الغالب تزيد من الألم الذي تئن دول هذا المنطقة تحته. والألم هذا بدأ ينخر في جسد بعض هذه الدول أو أغلبها إلى درجة أنها لم تعد تنظر أحيانا أبعد من أنوفها.
الغرب في تعامله مع الشرق المغلوب على أمره له بعد نظر. وبعد النظر كان واضحا في مقالات رئيسة أخيرا ظهرت في أمهات وسائل الإعلام الغربية. وليست هذه أصوات نشاز أبدا. إنها تمثل قاعدة شعبية كبيرة في الغرب ترى الأمور من منظار مختلف.
مثلا، نشرت جريدة الإنديبندت مقالا مهما يوم الأربعاء وضعت فيه آيات من القرآن وآيات من الكتاب المقدس (وهو قريب جدا من التوراة) جنبا إلى جنب بعضها يدعو إلى إيواء وقبول ومحبة الآخر المختلف وبعضها يدعو للقصاص وطلبت من القراء إن كان بإمكانهم التمييز بينها.
كان من الصعب جدا حتى على المتضلعين في الأديان الذين يقرأون ويدرسون القرآن والكتاب المقدس والتوراة والكتب الدينية الأخرى الفرز بين الآيات المترجمة إلى الإنجليزية إن كانت من الكتاب هذا أو ذاك.
غاية الكاتب كانت البرهنة أن مشكلة اتباع الكتب التي يراها أصحابها مقدسة هي الاقتباس خارج السياق أو التعبير أو التفسير أو إعادة صياغة النص لغايات الهيمنة والتسلط والسيطرة.
ولهذا ترى الناس تنتف النصوص من أجل مصالحها. تركن إلى النص هذا وتغادر آخر، وتنتقي جملة من هنا وتهمل جملة أخرى قد تناقضها تماما.
وكان هناك مقال آخر في صحيفة الجارديان أظهر فيه الكاتب دور المسلمين في بناء ونهضة أمريكا كما نعرفها اليوم. في المقال جرد لكبار العلماء والشخصيات الأمريكية المسلمة التي لا يمكن نكران دورها في نهضة أمريكا.
وأتت المقالات هذه ردا على الأقوال المسيئة للمسلمين من قبل المرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب. الحملة ضد ترامب كانت قاسية وفيها دافع كتاب غربيون عن الإسلام والمسلمين وكتابهم بطريقة لا أظن بإمكان الإعلام العربي القيام بها.
إذا إهانة الآخر المختلف لها من يقف ضدها إعلاميا وخطابيا في الإعلام الغربي. وسيل المقالات المدافعة عن المسلمين كدين وثقافة لم ينقطع وسيل الهجوم على ترامب لم ينقطع أيضا.
في الشرق الذي نحن بصدده الحرب الخطابية والإعلامية وحتى العسكرية ليست بين الغرب من جهة وخصومه في الشرق من جهة أخرى.
الشرق هذا هو في صراع مريع مع نفسه. خطابيا وإعلاميا الشرق في ضائقة كبيرة. هناك فرز بين الناس والشعوب إلى درجة القطيعة والموت والهلاك. الشرق الذي نحن بصدده لا يحاربه الغرب فقط. هو يحارب نفسه ويأكل نفسه بنفسه والأنكى يستجير بالغرب والأجنبي لقتل وتدمير نفسه.
ليس هناك حسنات للمختلف ميلا في الشرق. العلماء من الشيوخ والدعاة منهمكون في اقتباس ما يرونه يوائم ميولهم لإلغاء الآخر والتعبير والتفسير وإعادة صياغة النصوص لمواءمة أهوائهم. وصار هؤلاء هم من يقودون الناس بدلا من الحكماء الذين يرون النص متكاملا ولا يجوز تفسيره والتعبير عنه أو إعادة صياغته خارج نطاقه وسياقه وزمنكانيته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي