التجارة الإلكترونية غير التسويق الإلكتروني

أدى التطور الهائل في مجال التقنية والاتصالات إلى إحداث نقلة نوعية وكمية لم يسبق لها مثيل في غالبية القطاعات، ومن ضمنها التعاملات التجارية. فلقد تم تطويع التقنية والإفادة منها في مجال التجارة والأعمال، وقد أدى هذا التطور إلى نشوء عدة مفاهيم متقاربة، يتم عادة الخلط بينها، ومنها: التجارة الإلكترونية، والتسويق الإلكتروني، والتسوق الإلكتروني. وقد أتى هذا الخلط نتيجة عدم وضع فروق واضحة وتعاريف بينة بين هذه المفاهيم الثلاثة، ما أدى إلى استخدامها بمعنى واحد ليس فقط في المجال التطبيقي وبين الشركات والمستهلكين العاديين، بل في كثير من الدراسات العلمية الميدانية منها والنظرية. ونريد في مقال هذا الأسبوع أن نفرق بين هذه المصطلحات المتشابهة والمختلفة، ونفك التشابك فيما بينها.
ظهر ما يسمى بالتجارة الإلكترونيةElectronic Commerce التي يجرى فيها التبادل الإلكتروني للبيانات بين الأطراف من خلال شبكة الحاسب دون الحاجة إلى مستندات ورقية كتطوير لطرق التجارة التقليدية، وبالتالي تعتبر تكنولوجيا المعلومات هي الأداة القادرة على إنشاء مزايا تنافسية للسلع في جميع الأسواق. ورغم الكم الهائل من تعاريف التجارة الإلكترونية إلا أنها مختلفة ومتباينة وبعضها غير واضح، أو قد يعكس مصطلحا رقميا آخر، ولهذا يرى البعض أنه من الصعب وضع تعريف تتلاقى فيه جميع وجهات النظر العلمية، إلا أنه يمكن صياغة تعريف تتوافر له خصائص التعريف الأكثر قبولا، أخذا في الحسبان العناصر الأساسية التي تجب مراعاتها كمحاور للتعريف الجيد، وأهم هذه العناصر ما يلي:
1. التجارة الإلكترونية قد يكون أحد أطرافها منظمة أعمال، أما الطرف الآخر فقد يكون وحدة أعمال أيضا أو عملاء أو حكومات.
2. عدم وجود أي مستندات ورقية، فالسند القانوني في مجال التجارة الإلكترونية هو الرسالة الإلكترونية.
3. يمكن عقد الصفقات التجارية في أي وقت ومن أي مكان، فهي تتخطى أي حدود زمنية ومكانية.
4. التفاعل مع أكثر من مصدر في وقت واحد، بحيث يستطيع الفرد إرسال رسالة واحدة إلى عدد لا نهائي من المستقبلين في نفس الوقت.
5. توفر عدد كبير من السلع والخدمات والمعلومات عنها، وبالتالي يمكن للعملاء المقارنة بينها.
6. الدفع قد يأخذ صورا مختلفة، منها أسلوب الدفع بواسطة بطاقة الائتمان عبر الشبكة، أو الدفع عن طريق الشبكة البنكية أو الإلكترونية، أو من خلال التحويلات، أو الدفع النقدي عند التسليم.
7. ارتباط التسليم بنوع السلعة أو البضاعة، فيمكن تسليم بعض أنواع السلع إلكترونيا من خلال الإنترنت، بينما تسلم الأنواع الأخرى فيزيائيا عن طريق البريد التقليدي.
ووفقا للعناصر السابقة فقد تم تعريف التجارة الإلكترونية في الأدبيات، ومن أشهر هذه التعاريف هو أن التجارة الإلكترونية "عبارة عن صفقات عابرة الحدود المكانية والزمانية، تتم بشكل غير مباشر بين طرفين أحدهما منظمة أعمال والآخر قد يكون منظمة أعمال أو عملاء أو حكومات، باستخدام نظام تداول إلكتروني، دون اعتماد على مستندات ورقية، فالسند الوحيد هنا هو الرسالة الإلكترونية، وقد يتم السداد من خلال بطاقات الائتمان أو من خلال الشيكات الإلكترونية أو التحويلات، أو الدفع النقدي عند استلام المرتبط بنوع البضاعة، والهدف النهائي من ذلك رفع الكفاءة في الأداء وتحقيق الفاعلية في التعامل".
كما ينظر إلى التجارة الإلكترونية على أنها تشمل عدة مفاهيم منها التسوق الإلكتروني والأعمال الإلكترونية والتسويق الإلكتروني ومقدمو الخدمات التطبيقية والأعمال المصرفية من خلال الإنترنت، وهذه المفاهيم مرتبطة ببعضها تحت مسمى التجارة الإلكترونية.
ومن هذا التعريف يمكن أن نخلص ونقول إن التجارة الإلكترونية أكثر شمولية وأوسع من أن أي نوع من التعاملات الرقمية الأخرى، وهذه عادة ما تكون وظيفة الدولة ممثلة في وزارة التجارة أو الجهة التي تقوم بالتشريع والإشراف على التعاملات التجارية داخل وخارج الدولة.
وقد انبثق من التجارة الإلكترونيةElectronic Commerce مصطلح التسويق الإلكترونيElectronic Marketing ويرى البعض أنه جزء من التجارة الإلكترونية. وهناك عدة تعاريف لمصطلح التسويق الإلكتروني، حيث يرى البعض أن التسويق الإلكتروني وظيفة من وظائف الشركة تعمل على تحقيق التنسيق والتكامل مع بقية الوظائف الأخرى كالإنتاج، والمالية، والمواد، والمشتريات، الموارد البشرية. وفي مجال التسويق الإلكتروني تتم ممارسة المزيج التسويقي التقليدي، لكن بطرق تناسب شبكة الإنترنت. وبما أن التسويق الإلكتروني وظيفة من وظائف الشركة فإن هذا يحتاج من الشركات التي ترغب في أن يكون لها السبق في اتساع حصتها السوقية وفتح منافذ توزيع جديدة أن تتقن إضافة إلى مهارات التسويق التقليدية مهارات استخدام التقنية وخدمات الإنترنت.
ومن التسويق الإلكتروني انبثق مصطلح يطلق عليه التسوق الإلكترونيShopping Electronic وهو عبارة عن مجموعة الجهود التي يبذلها المشتري عبر الإنترنت للبحث عن منتجات محددة والمفاضلة بينها على الشبكة العنقودية. وقد بينت الأدبيات التركستاني (2007) الفرق بين مصطلح التسويق الإلكتروني ومصطلح التسوق الإلكتروني، بأن الأول يشتمل على كافة العمليات التي تسبق الإنتاج وتستمر أثناء الاتصال بالمستفيدين من المنتجات وتستمر حتى بعد حصول المستفيدين على المنتجات، أما التسوق الإلكتروني فيقتصر على البيع والشراء عبر التقنيات الرقمية.
ولهذا يمكن أن نخلص من كل هذا فنقول إن التجارة الإلكترونية نشاط مرتبط بالمتاجرة أكثر من ارتباطه بالتسويق، وهذه وظيفة تشريعية تقوم بها عادة الحكومات، بينما التسويق عبارة عن وظيفة من وظائف الشركة كالتمويل والموارد البشرية، أي ممارسة التسويق التقليدي، ولكن عبر النت، أما التسوق الإلكتروني فهو مجموعة الجهود التي يبذلها المشتري عبر الإنترنت للبحث عن منتجات محددة والمفاضلة بينها. وبذلك يمكن القول إن التسوق الإلكتروني هو ما يقوم به المستهلك، بينما التسويق الإلكتروني وظيفة الشركة، والتجارة الإلكترونية المظلة التي تشرف على كل هذه التعاملات والصفقات، وهي وظيفة الحكومات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي