من يولد الوظائف؟

صدر قبل أيام قرار تأسيس هيئة توليد الوظائف ومكافحة البطالة.
الهيئة نفسها لا تولد الوظائف، بل يفترض أن تنسق وتهيئ بفعالية بيئة وظروف التوليد. هكذا أراها. هناك مشكلة أخرى، لكنها خارج نطاق المقال. لدينا ملايين الوظائف القائمة بالفعل، ومن ثم لا تحتاج إلى توليد بل إلى توطين إحلالي. ويدخل في ذلك وظائف في القطاع العام، مازال التوطين فيها ضعيفا نسبيا، ومن ثم تحتاج إلى اهتمام الهيئة.
إذا كانت الهيئة لا تولد الوظائف، فمن يولدها؟
يسهم القطاع الخاص بتوليد الغالبية الساحقة من الوظائف في أي مجتمع يقوم على اقتصاد السوق.
وإسهام القطاع الخاص ليس سواء. هناك قناعة على المستوى العالمي بأن المؤسسات/ المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي صاحبة الإسهام الأكبر في توليد الوظائف، وبالأخص المنشآت الصغيرة حديثة العهد نسبيا. وكلما كانت المؤسسة أصغر عمرا، كانت الفرصة أعلى في التوليد. وكانت تلك النقطة خلاصة دراسة مجموعة باحثين في المؤسسة البحثية الأمريكية الشهيرة "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية"، المعروف اختصارا بـ NBER. دراسة استندت إلى الإحصاءات الرسمية وغطت الفترة بين 1992 و2005.
معروف أن المنشآت الصغيرة تبدأ نشاطها في ظروف غير مستقرة، ولوحظ أن نسبة كبيرة منها تفشل في الشهور أو السنوات الأولى، ومن ثم فالنتيجة من وجهة التوظيف حصول تدمير وإزالة نسبة كبيرة من الوظائف المولدة. لكن هناك الجزء الآخر من الصورة. المنشآت الجديدة التي لم تفشل تحقق في الغالب درجات نمو أعلى من المنشآت العريقة في الوجود. ومن ثم يلحظ أن تلك المنشآت صاحبة أكبر نسبة في توليد الوظائف.
ما أهم معوقات توليد الوظائف؟
هناك ستة معوقات أساسية للتوليد. وفي هذا الإطار من المهم أعطاء أهمية لصفات مطلوبة للتوليد: الرسوخ، والأجر الممكن وصفه بالعادل، وبيئة عمل جيدة، وبيئة تتيح فرصا أفضل للموظف أو العامل مع الوقت.
1 - قوانين الحكومة
هذه القوانين قد تسهم مع أو ضد توليد الوظائف. يمكن أن نختصر ذلك بالقول إن القوانين المسهلة للنشاط تقف مع التوليد، والمصعبة تقف ضد التوليد.
2 - البنية الأساسية
وجود بنية تحتية جيدة مهم للتوليد. توقع صاحب العمل أن بإمكانه الحصول على ما يريد من يد عاملة وأنها منضبطة في أداء أعمالها، يسهم في تشجيعه على التوسع ومن ثم توليد الوظائف. ولجودة البنية التحتية تأثير في الاثنين: توافر اليد العاملة الراغبة في العمل وانضباطها. لنأخذ بنية النقل العام مثلا. لا شك أن نسبة كبيرة من السكان من ذوي الدخول تحت المتوسط، وهؤلاء لا تتيح لهم إمكاناتهم المادية الوصول إلى العمل بسهولة نسبيا في حال فقد النقل العام المناسب. من جهة أخرى، توافر النقل العام يقلل من الحاجة إليهم في مشاوير تخص أهاليهم، وهذا بدوره يسهم في زيادة انضباطيتهم.
3 - الحصول على التمويل
من المعروف أن المؤسسات الصغيرة تجد صعوبات شديدة في الحصول على تمويل من المصارف التجارية. ولهذا الغرض أنشئت مؤسسات تمويلية حكومية. المشكلة أن هناك فجوة كبيرة بين قدرات هذه المؤسسات والطلب عليها. بالإمكان تقليص هذه الفجوة عبر سياسات كثيرة.
4 - ارتفاع التكاليف ومن ثم المخاطرة على المؤسسات الصغيرة وخاصة الجديدة
وهناك سياسات قائمة تسهم في خفضها، والمجال قائم لتحسين هذه السياسات، وتبني سياسات جديدة تحد من المخاطر أو التكاليف، دون إضرار بحقوق المستهلكين. من السياسات الجديدة التي ممكن تبنيها دعم تكاليف التأمين الطبي للعاملين المواطنين في منشآت صغيرة، ضمن ضوابط طبعا.
5 - مشكلة المهارات
من النادر أن تجد مواطنين يجيدون أو يشغلون مهنا حرفية لا تتطلب إلا تعليما بسيطا. أما السعودة في هذه المهن الحرفية فمهملة أو شبه مهملة. مطلوب فتح المئات من برامج ومراكز التدريب المهني في المملكة، سواء بدوام كامل أو بدوام جزئي، بحيث تكون متاحة بسهولة لمن يرغب.
6 - بيئة وظروف العمل
لا شك في أهميتها، خاصة في ظروف سوق عمل كبلادنا ودول الخليج عامة. والحديث فيها يطول لولا ضيق المقام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي