ورطة داسيلفا اللذيذة

خراش- بكسر الخاء وفتح الراء- رجل قوته من الصيد، خرج يوما إلى البراري، يمني النفس بظبي سمين، يطعمه ويطعم أهله، يأس من البحث عن ضالته، فغالبه التعب، وفقد الأمل، وانزوى تحت ظل شجرة مستولية عليه نعسة عميقة، قطعها نزيب قطيع من الظباء - والنزيب هو صوت الظبي، فنهض فرحا وألقى كل ما في كنانته على الأرض، والتقط أول سهم شده على وتر القوس، حدد هدفه ولم يغادر السهم قوسه، ففي كل مرة يوجه السهم إلى ظبي ظنا منه أنه أسمن من سابقه، حتى مضت الجوازي بلا صريع، وعاد خراش إلى الخيام يجر خيبة الأمنيات السمينة التي ذهبت مع القطيع. قال له القوم عند عودته: أين الصيد يا خراش؟ أين الظبي اليومي؟ فأنشد:
تكاثرت الظباء على خراش .. فما يدري خراش ما يصيد
وغدت القصة والبيت مثلا يستدعى عند تعاظم الخيارات المتشابهة، دون الفوز بأحدها، تلك اللحظة كانت فرصة عظيمة تحولت إلى لحظة ندم كبيرة.
في لحظة ما، لا تضرب لها موعدا، يجود الزمن بأكثر مما تتمنى، فتضيع بين الخيارات، وتذهب الفرصة بلا مربح. وجود الخيارات الكثيرة نعمة من الله، يفقدها صاحبها بالتردد والارتباك أمامها، فيضيع الفرصة الذهبية كما فعل خراش، فلا هو ذاق بلح الشام ولا استطعم عنب اليمن.
الأوروجوياني خورخي داسيلفا مدرب النصر الحالي، ربما يصبح كخراش صاحبنا، توافر في فريقه ثلاثة مهاجمين “سوبر”، يلعبون في المكان نفسه، كل واحد منهم، يستطيع أن يحمل أي فريق إلى ضفاف الفرح، فما بالك إن كان الثلاثة تحت لون واحد، وراية واحدة؟ أليس داسيلفا في مأزق خراش السابق؟
الصياد خراش أضاع الفرصة بالتردد والارتباك، وتعظيم الأماني فذهبت سمانها تسابق هزالها مع الريح، وداسيلفا الذي لا يمكن أن تكون قصة صائد الظباء عبرت مسمعه يوما، موسوم بالارتباك والتردد، فماذا يفعل حتى لا يكون خورخي، خراشا جديدا؟
..مانشستر يونايتد الإنجليزي، توافر على ثلاثة مهاجمين بارعين في الموسم الماضي، فان بيرسي، روني، وفالكاو، فأعاد المدرب واحد منهم للخلف ليخدم الاثنين، ويستثمر الشوارد من الفرص خلفهما، هل تتناسب الفكرة مع ثلاثي النصر؟ الحقيقة أن واحدا من الثلاثة الموهوبين لا يستطيع اللعب خلف المهاجمين، لأن أي واحد بينهم لا تتوافر فيه أدوات الوسطي المتقدم. مرة أخرى، ماذا يفعل داسيلفا؟
..ابن مونتفيديو التي تعني بالإسبانية “الرؤية” يحتاج إلى رؤية وروية عميقتين، لا تفقده هذه الخيارات العظيمة ويتبدل حلوها إلى مرارة، وليس أمامه إلا أن يكون شجاعا يخلع رداء التردد والخوف، ويختار اللاعب المناسب في الوقت المناسب أمام الخصم المناسب دون أن يسمح لعواطفه وعواطف من حوله التأثير على المصلحة العامة لفريقه.
ثلاثة مهاجمين أفذاذ في مكان واحد في زمن واحد، تحت إمرة مدرب واحد، تحتاج منهم إلى واحد فقط أو اثنين معا، يالها من ورطة يا داسيلفا، ولكنها ورطة لذيذة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي