انتهت مرحلة الاسترخاء
من حسن الحظ أننا لم نشغل أنفسنا في الماضي بالشعارات التي أشغلت العالم العربي، ففي فترة تأسيس هذا الكيان انشغل الأجداد والآباء بمعركة التوحيد، ثم أشغلتهم أمور الحياة أيام شظف العيش وشح الموارد.. حتى المياه كنا نشرب كدرا، بينما يشرب الآخرون من الأنهار العذبة الصافية.. ونفطر صباحا على التمر اليابس، بينما يتناول البعض في عالمنا العربي الكورن فلكس وألبان كيك والفواكه بأنواعها.. وتفتك بنا الأمراض، وهم يجدون العناية الطبية الحديثة.
وفتح الله لهذه البلاد خزائن الأرض، فانشغلنا بالتعلم والبناء، ولم تجرفنا الشعارات والحروب الباردة وحسد الحاسدين ونفاق المنافقين الذين لم نكن نسمع منهم حتى كلمة مواساة أيام الفقر والمعاناة بأنواعها.
والآن وقد اكتملت البنية الأساسية، ولا أعني بها أكوام الأسمنت والإسفلت، وإنما هذه الأجيال المتدافعة لطلب العلم حتى ضاقت المعاهد والكليات والجامعات.. ما استراتيجية المستقبل حتى لا يضيع شبابنا في دروب الحياة الجديدة من دون التسلح بالعناصر التالية مرتبة بحسب أهميتها وأولها "التعلم"؟ ولا أعني به المنهجي فقط، وإنما المعرفة بجميع أنواعها.. ففي عالم اليوم لم تعد هناك دولة فقيرة أو شخص معدم.. وإنما دولة فاشلة وشخص جاهل.. ويدخل تحت هذه الفقرة التقنية الحديثة والتعامل معها والتدريب في جميع المجالات والميادين.
ثم يأتي "التفوق" فإنه شعار هذا العصر، ولا مكان لأنصاف المتعلمين أو أرباع المهنيين.. فالطالب الذي يحصل على تقدير مقبول، لن يكون مقبولا، ليس فقط في الجامعات، وإنما في المجتمع والحياة العصرية.. وربما يرفض أحيانا حينما يتقدم لخطبة فتاة.. والمهني والموظف الذي يؤدي عمله بمستوى دون المتوسط سيجد نفسه في الشارع بلا عمل، ولن تشفع له الهوية أو النسب والحسب.
أما العنصر الثالث فيتعلق "بالتوعية" التي يجب أن تكون شعارنا في المرحلة الحالية.. فكل شيء في حياتنا يحتاج إلى توعية.. كيف نستخدم الطريق؟ كيف نقود السيارة ونتيح الفرصة للمشاة للعبور بعد أن تتكرم البلديات بتخطيط أماكن لعبورهم كما هو الحال في جميع دول العالم.. وكيف نقلل من الحوادث المرورية التي تحصد الآلاف من الأرواح سنويا؟ كيف نحافظ على المرافق التي شيدت؟ وكيف نهتم بالنظافة والبيئة؟ كيف نرشد استهلاك المياه والكهرباء والهاتف؟ وكيف ننمي الوعي الادخاري والبعد عن الإسراف والتبذير؟ كيف نختار الغذاء الجيد لنا ولأطفالنا؟ كيف يتجنب شبابنا أخطار المخدرات والتدخين؟ كيف نمارس الرياضة؟ أمور كثيرة أهملناها فترة طويلة، وأضعنا الوقت في استرخاء لا لزوم له حتى ترهلت عقولنا وأجسامنا.. إنها دعوة للحركة والنشاط واستغلال كل دقيقة، بل كل ثانية من الوقت.. وكما قيل لكي تعرف قيمة الثانية أو نصفها، اسأل العداء الذي أحرز الميدالية الفضية وكان بإمكانه أن يحرز الذهبية لو قفز قفزة واحدة إلى الأمام.
وأخيرا: لنضبط إيقاع حياتنا على العناصر التي ذكرتها.. ولنضع شيئا من المسؤولية على أكتافنا وأكتاف شبابنا لتثبت أقدامهم على الأرض، فلا تجرفهم أخطار هذا العصر التي نراها، وقد كشرت عن أنيابها، وغزت عقول بعض شبابنا حتى أصبح يرى حسنا ما ليس بالحسن.