Author

تقارير الاستدامة .. سباق «الأرنب» و«السلحفاة»

|
الحياة سباق وتنافس كبير، وتقاس المجتمعات في نموها بسرعتها وقدرتها على كسر الأرقام التنموية، رقما بعد آخر. وفي مجال الاستدامة تركض بعض الدول بسرعة "الأرنب" بينما في بلادنا ربما كانت "السلحفاة" أسرع، إذ أصدرت العام الماضي، الشركات حول العالم 7.838 تقرير مسؤولية اجتماعية بارتفاع بلغ أكثر من 30 في المائة عن 2010 بحسب دليل Corporateregister، بلغت حصة السوق السعودية منها -التي تعد من أقوى الاقتصادات نموا ضمن مجموعة العشرين حسب صندوق النقد الدولي- ثلاثة تقارير فقط لعام 2014 مسجلة انخفاضا عن عام 2013 بنحو سبعة تقارير! وفقا لموقع مبادرة التقارير العالمية المعنية بتقارير الاستدامة GRI. ولك أن ترى بعين الواقع، ما يمثله هذا الرقم، الذي لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، من تشتيت للجهود الاجتماعية للشركات التي لا ينسجم بعضها واحتياجات الوطن، وانعكاسات سلبية على مؤشرات الشفافية والحوكمة والجودة التي هي حجر الأساس للخطط التنموية الحقيقية، إضافة إلى إبطاء معالجة التحديات التنموية كالبطالة والإسكان وعمل المرأة وغيرها. وربما تتضح الصورة الأكبر للدور الكبير الذي تلعبه تقارير الاستدامة في تحسين أداء الشركات وتحقيق المصلحة العامة للاقتصاد الوطني، بالمطالعة إلى الأرقام التي نشرتها منظمة The Conference Board، حيث أحرزت الشركات حول العالم تقدما في رفع مستوى الشفافية فيما يتعلق بالإفصاح عن سياسات مكافحة الرشوة والمخاطر البيئية، خصوصا بين الشركات في الولايات المتحدة، إذ أفصحت 60 في المائة من الشركات هناك عن وجود سياسات لـ "مكافحة الرشوة" بارتفاع بنسبة 21 في المائة عن العام الذي قبله على سبيل المثال. وفيما تراجعت أعداد تقارير الاستدامة بين الشركات السعودية هذا العام، نجد أن المنظمة تشير إلى ارتفاع مطرد لإصدار التقارير وفقا لمبادئ الـGRI بين الشركات في الولايات المتحدة، حيث واحدة من كل ثلاث شركات كبيرة باتت تصدر تقريرا مستداما! ولعل ذلك، في رأيي، يعود إلى "سقف الحرية والاطلاع العالي" للأطروحات الإعلامية في الدول الأخرى التي مكنتها من الإلمام بمبادئ الاستدامة ومن ثم تشكيل ضغوطات متواصلة على الشركات لإصدار التقارير غير المالية والإفصاح حول الخطوات التي اتخذتها لمعالجة عديد من القضايا بما فيها مكافحة الرشوة، إضافة إلى وجود آليات وتشريعات حكومية وقوى مدنية كلها تهدف إلى جعل أداء الشركات أكثر شفافية في كل تعاملاتها المالية وغير المالية. في المقابل، لا تواجه الشركات في السعودية، أي ضغط يذكر للإفصاح عن ممارساتها المسؤولة، حيث تصدر تقارير المسؤولية الاجتماعية حسبما يمكن تسميته بـ "مزاج" مجلس إدارة الشركة، أو لدعم الصورة الذهنية فقط، فيما يُنظر إليها من قبل بعض الشركات كأعمال خيرية لا يجوز الإفصاح عنها من قريب أو بعيد. الشاهد، أن من أراد الجري في مضمار التنافسية العالمية، فعليه ألا يعتقد أبدا أن "السلحفاة" تصل أولا إلى خط النهاية، إلا في أحلام "المنظرين" وهم كثر -للأسف- في واقعنا الاقتصادي!
إنشرها