لقاء فريد بين زعيم الهند وممثلي المسلمين
في حدث له دلالات كثيرة، وفي توقيت متميز يصادف إكماله للعام الأول له في السلطة، وقرب حلول شهر رمضان الذي يحتفل به مسلمو الهند البالغ تعدادهم نحو 180 مليون نسمة احتفالا متميزا، التقى رئيس الحكومة الهندية "ناريندرا مودي" في أوائل الشهر الجاري وفدا يتكون من 30 شخصا من زعماء مسلمي الهند وعلمائهم ومفكريهم بقيادة الإمام "عمر أحمد إلياسي"، الذي كان قد سُـجِّلت عنه في مناسبات عدة مخاوفه من بعض التيارات السياسية الحليفة لرئيس الحكومة، التي، بحسبه، كانت تسعى إلى تخريب النموذج الهندي، في الوقت الذي كان فيه مودي في ألمانيا يروج لخطة "صنع في الهند"، وهي أحد مشاريعه لوضع الهند في مقدمة الدول الصناعية المنتجة والمصدرة.
والحقيقة أن مخاوف الإمام وغيره من الزعامات الإسلامية طفت على سطح الأحداث منذ وصول مودي إلى السلطة في العام الماضي؛ لأنهم اعتقدوا أن الرجل سيتربص بالمسلمين منذ اليوم الأول، ناهيك عن اعتقادهم بأن عديدا من مكونات حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم يؤمن بأن الطريق بات ممهدا أمامه ـــ طالما أن الحزب الحاكم يهيمن هيمنة طاغية على مقاعد البرلمان ـــ لتغيير وجه الهند العلماني عبر الاعتداء على الجوامع والكنائس، وبث الرعب في قلوب الأقليات، والضغط عليهم لتغيير عقائدهم؛ لذا كان اللقاء المشار إليه مناسبة بالغة الأهمية؛ ليؤكد فيها مودي أنه لا يؤمن بالسياسات التي تؤدي إلى تقسيم الشعب الهندي وفق خطوط طائفية، وأنه لن يسمح لأي شخصية أو جماعة باللعب ببطاقة الهندوس والمسلمين؛ لأنه يؤمن فقط ببطاقة الهند الواحدة.
استغرق اللقاء المذكور نحو ساعتين. وقد أجمعت كل المصادر على أنه كان اجتماعا فريدا من نوعه، ليس بسبب طول مدته، وليس لأن الحضور كان يمثل مختلف الطوائف والجماعات الهندية المسلمة فقط، بل أيضا بسبب الطابع الحميمي الهادئ واللطيف، الذي أسبغه مودي على اللقاء. فالأخير، الذي كثيرا ما لاحقته اتهامات بالتعصب القومي، والانحياز للغالبية الهندوسية، وخرق المبادئ العلمانية، التي قامت عليها الدولة الهندية، لم يجلس في صدر القاعة على مقعد وثير ليستمع إلى أعضاء الوفد أو يحاضر عليهم، وإنما راح يتجاذب الحديث معهم فردا فردا، بل قام وأحضر الشاي وقدمه لهم بنفسه. وربما أراد مودي من وراء هذه اللفتة التي لم تحدث من قبل في لقاءات أسلافه بزعماء المسلمين أن يذكِّر ضيوفه بأنه بدأ مسيرته العملية بائعا للشاي في كشك على رصيف إحدى محطات القطار، وبالتالي فإن الطريق ممهد لكل مواطن هندي أن يصل إلى قمة السلطة طالما آمن بالهند الديمقراطية العلمانية الفيدرالية الواحدة. أما الأمر الآخر الذي ربما أراده مودي من هذا الاحتفاء بمسلمي الهند، فهو تبديد مخاوفهم من أي تهميش لهم، بل التودد إليهم ليكونوا رافدا فاعلا من روافد حزبه. فطالما أن هناك تحالفا ما بين حزبه وحزب إسلامي صرف مثل حزب "الشعب الديمقراطي" لإدارة إقليم جامو وكشمير المتوتر، فَلِمَ لا يحدث مثل هذا التحالف والتعاون خارج كشمير أيضا؟ والمعروف أن مودي كان قد استبعد في أول حوار تلفزيوني له مع قناة "سي إن إن" الأمريكية، فرضية تغلغل تنظيم القاعدة إلى الهند، معزيا السبب إلى وطنية المسلمين الهنود، وولائهم واستعدادهم للموت فداء للهند، وقائلا: "إن من يعتقد أن مسلمي الهند سيرقصون على أنغام القاعدة، فهو يعيش في وهم كبير".
الإمام عمر إلياسي صرح من جانبه بعد اللقاء بأنّ مودي قال له: هذا وعد مني بأنْ أفتح لكم بابي في أي وقت تطرقونه، حتى لو كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة ليلا، لأني مسؤول عن كل مواطن هندي بغض النظر عن دينه وتوجهه السياسي، مضيفا أن مودي وعدهم بتحسين الخدمات التعليمية والصحية المقدمة لهم، ومطالبا إياهم باليقظة لتأمين أمن واستقرار الهند ضد الجماعات الإرهابية التي قد تتسلل إلى البلاد من دول شرق أوسطية منفلتة أمنيا.
أما المشارك الآخر في اللقاء، وهو المدرس "فيروز بخت"، أحد أحفاد الزعيم الهندي المسلم الكبير "مولانا أبو الكلام آزاد"، المعروف في تاريخ الهند المعاصر بوقوفه إلى جانب الزعيمين الكبيرين نهرو وغاندي ضد فكرة تقسيم شبه القارة الهندية، فقال إن مودي أكد للجميع أنه يعتبر نفسه رئيس الوزراء لكل مواطن هندي، وليس زعيما لطائفة معينة كالهندوس أو السيخ أو المسيحيين أو البارسيين، مضيفا أن رئيس الوزراء شدد على أن التعليم والتثقيف الجيدين هما السبيل الوحيد لردع من يسعون إلى شق صف الوحدة الوطنية في الهند وإدخالها في المتاهات والاضطرابات الدموية والطائفية التي تعانيها الدول الأخرى.
محصلة هذا اللقاء الفريد هي ما تداولته الصحف الهندية في اليوم التالي، وهو نفس ما أكده ممثلو مسلمي الهند بعد خروجهم من عند مودي، ومفاده بأن الأخير زعيم قوي، ويعرف كيف يدير الهند، وأن سنته الأولى في السلطة لم تكن بالسوء الذي توقعوه، بل إن إحدى الزعامات الإسلامية الهندية المعتدلة وهو "مولانا محمود مدني"، الذي لم يتمكن من حضور اللقاء، أعرب عن سعادته بما تم، بل عَدَّهُ خطوة مهمة ورسالة بليغة موجهة إلى باكستان تحديدا، مفادها بأن عليها ألا تراهن على خيانة مسلمي الهند لوطنهم الأبدي، وألا تصفهم بالطائفة المقصية والمنبوذة تحت حكم مودي، فيما قال البروفيسور المسلم في جامعة دلهي "والي أختر"، إن الاجتماعات والتعهدات وحدها لا تكفي، ويجب تحويل الأقوال إلى أفعال، لكنه استدرك قائلا: "لقد تلاشت أخيرا الفجوة بيننا وبين مودي".
ومثل هذا الموقف من زعامات مسلمي الهند تجاه مودي يختلف اختلافا جذريا عن موقفهم منه في عام 2011، حينما كان رئيسا للحكومة المحلية لولاية غوجرات. ففي تلك الأيام شنوا عليه حملة شعواء، بل وصفوه بالسياسي الهندوسي المحتقر للمسلمين؛ لأنه رفض ارتداء الطاقية التي أهداها له أحد العلماء، وهي طاقية مشابهة لما يلبسه أهل الخليج تحت كوفياتهم، ويغطي بها مسلمو الهند رؤوسهم عادة أثناء صلواتهم، واكتفى بلبس الشال الصوفي الذي قدم له مع الطاقية.
لاحقا تنبه البعض القليل العاقل إلى أن ما فعله مودي كان تصرفا حكيما، يؤكد به حياده إزاء جميع مكونات الأمة الهندية. وقد صدق أحد المعلقين وقتها حينما قال إن مسلمي الهند توقفوا فقط عند طاقية مودي، بينما الساسة الآخرون يخدعون الجماهير بارتداء وخلع الطاقيات يوميا دون أن يحاسبهم أحد، وذلك كناية عن تغيير هؤلاء ولاءاتهم ومواقفهم بحسب مصالحهم.