موريشوس الإفريقية على خطى شقيقاتها الآسيويات
المعروف أن القارة الآسيوية هي أول الأماكن التي عرفت ظاهرة صعود النساء إلى قمة السلطة، وذلك حينما تولت سيريمافو بندرنايكا رئاسة الحكومة السريلانكية في عام 1960 خلفا لزوجها سولومون بندرنايكا الذي اغتيل في عام 1959. بعدها كرت السبحة فرأينا ظهور أنديرا غاندي في الهند، و"بي نظير بوتو" في باكستان، و"الشيخة حسينة واجد" و"خالدة ضياء" في بنجلادش، و"كورازون أكينو" و"جلوريا ماكاباجال أرويو" في الفلبين، و"ميجاواتي سوكارنو بوتري" في إندونيسيا، و"ينغلوك شيناواترا" في تايلاند، وأخيرا "بارك غين هي" في كوريا الجنوبية.
وما بين هذه وتلك كانت هناك نساء آسيويات خضن معارك الانتخابات للظفر بالسلطة لكن دون نجاح يذكر على نحو ما فعلته "أونغ سان سوكي" في بورما، و"وان عزيزة وان إسماعيل" في ماليزيا، و"تسي إنغ وين" في تايوان.
في القارة الإفريقية كان حظ النساء أقل لأن اللواتي صعدن منهن إلى السلطة كن في معظم الأحوال، لمرحلة انتقالية أو رئيسات بالإنابة، على نحو ما حدث في غينيا بيساو وبوروندي وإفريقيا الوسطى، باستثناء ليبيريا التي تولت رئاستها "إيلين جونسون سيرليف"، وملاوي التي حكمتها "جويس باندا" في فترة من تاريخهما.
اليوم هناك سابقة في جزيرة موريشوس الإفريقية التي يبدو أنها تحاول اقتفاء أثر آسيا، خصوصا أن نحو 70 في المائة من شعبها البالغ تعداده 1.5 مليون نسمة هم من ذوي العرق الهندي.
والحقيقة أن هذه البلاد، التي تمتد على مساحة 2005 كيلومترات مربعة وتقع في وسط المحيط الهندي على بعد 860 كيلومترا من سواحل مدغشقر، تتمتع بقواسم مشتركة مع الهند. فنظامها مثلا ديمقراطي مبني على نموذج ويستمنستر الذي يضمن فصل السلطات منذ أن استقلت عن بريطانيا في مارس 1968، والاستقرار السياسي يسود ربوعها على الرغم من تعدد إثنياتها وثقافات وديانات شعبها، وتراثها غني بالانسجام والتسامح بدليل انتشار المساجد والكنائس والمعابد البوذية في كل زاوية من زوايا البلاد، واقتصادها في تطور من الاعتماد المطلق على الزراعة فقط إلى الاعتماد على الخدمات والسياحة والتصنيع الخفيف والتعدين، بدليل تصنيف البنك الدولي لها ضمن شريحة الاقتصادات ذات الدخل المتوسط الأعلى، وشعبها يكافح من أجل تنمية موارده البشرية (صنفتها تقارير التنمية البشرية الصادرة في عام 2011 في المرتبة الثالثة إفريقيا، وفي المرتبة 78 من أصل 187 دولة في العالم).
واليوم يبرز عامل مشترك آخر هو تكريم الشخصيات العلمية البارزة عبر منحها رئاسة الدولة والقيادة العليا للقوات المسلحة. فكما فعلت الهند قبل سنوات حينما منحت رئاسة الجمهورية (ومن ضمنها القيادة العليا للقوات المسلحة) لعالم الصواريخ الباليستية وأبي قنبلتها النووية البروفيسور"أبوبكر زين العابدين عبد الكلام"، ها هي موريشوس تمنح رئاسة الجمهورية والقيادة العليا لجيشها لواحدة من بناتها البارزات من ذوات الإسهامات العلمية على مستوى العالم في مجال علوم الأحياء والكيمياء والأبحاث المتعلقة بالنباتات الطبية، هي "بيبي أمينة فردوس غريب فقيم"، ومثلما لم تنظر الهند ذات الأغلبية الهندوسية الساحقة إلى المعتقد الديني لعبدالكلام وهو الإسلام الذي يدين به نحو 15 في المائة من إجمالي عدد سكانها، فإن موريشوس فعلت الشيء عينه، فمنحت رئاستها إلى سيدة مسلمة على الرغم من أن نسبة المسلمين فيها لا تتجاوز 20 في المائة.
صحيح أن منصبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في موريشوس تناوب عليهما شخصيات من ذوي الأصول الهندية مرارا وتكرارا ابتداء من السير "فيراسامي رينغادو" التاميلي الذي كان حاكما للجزيرة من عام 1968 وحتى إعلانها كجمهورية في عام 1992، ثم تولى رئاسة الجمهورية حتى نهاية 1992، وانتهاء بـ "كيلاش بورياج" الذي استقال من رئاسة الجمهورية في 29 مايو المنصرم قبل سنتين من إكمال ولايته، إلا أن الصحيح أيضا هو أن هذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة مسلمة رئاسة البلاد بدعم من رئيس الوزراء الهندوسي "أنيرود جوغنوت"، وإن كانت امرأة أخرى هي "أنغيز مونيك إحسان بيليبو" ذات الأصول الإفريقية قد تولت رئاسة البلاد بالإنابة ما بين 31 مارس 2012 و21 يوليو من العام نفسه.
ونختتم بالإشارة إلى أن فقيم، المولودة ببلدة سورينام في موريشوس في أكتوبر 1959، المتزوجة منذ عام 1988 من مواطنها الجراح أنور فقيم، نالت بكالوريوس الكيمياء في عام 1983 من جامعة سوري البريطانية، ثم أتبعته بالحصول على درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية من جامعة إكستر في جنوب إنجلترا قبل أن تعود إلى وطنها في عام 1987 للعمل في جامعة موريشوس أستاذة ثم نائبة لرئيس الجامعة ومديرة لمجلس البحوث. وفي أثناء هذه المحطات في مسيرتها دأبت على توظيف تخصصها العلمي في وضع قوائم حصرية للنباتات العطرية والطبية وتحليلها بطريقة علمية من أجل استخدامها بديلا فاعلا للأدوية التجارية في علاج الأمراض الجرثومية والفطرية ومرض السكري، كما قامت بتأليف أكثر من 20 كتابا وإعداد نحو 80 بحثا في علوم الأحياء. فكان أن حصلت على عديد من الجوائز والأوسمة مثل جائزة "نوبل لوريال" لعام 2007 المقدمة من منظمة يونسكو في إفريقيا، وجائزة الاتحاد الإفريقي للمرأة في مجال العلوم لعام 2009.
ما أسعد الأوطان والشعوب التي لا تعرف التخندقات المذهبية والطائفية والعرقية!