سياسة سلمان .. وشباب التنمية
منذ تسلُّم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان مقاليد الحكم وهو يؤكد اهتمامه بجيل الشباب، وأنهم الأقدر في المرحلة الحالية على الإمساك بدفة التنمية في المملكة وتجديد شبابها باستمرار، هذه أهم سمات المرحلة الحالية، التي يتسنم الشباب فيها مناصب عالية في الدولة، تمكنهم من التفاعل الإيجابي مع روح هذا العصر المتغيرة بسرعة وتتطلب استجابات متوازنة لها وبحجمها فعلا، جيل شباب قادر على تفهم احتياجات هذا العصر وتقلباته وأدواته. ومع ذلك فإن هذا الجيل الشاب الذي يمتلك زمام الأمر في كثير من الوزارات والمناصب القيادية في البلاد مدعوم بنخبة كبيرة وواسعة من المستشارين والمختصين، الذين أمضوا سنوات طويلة في بناء هذا الصرح السعودي العملاق، فسياسة خادم الحرمين الشريفين تقتضي أن يتولى الشباب قيادة المرحلة، وأن يكون هناك حزام من الوزراء المستشارين أصحاب الخبرات بجوار هؤلاء الشباب، وهذا كان واضحا في جميع القرارات التي أصدرها الملك سلمان، وليس أدل على هذا من تولي الأمير محمد بن نايف منصب ولي العهد، والأمير محمد بن سلمان وليا لولي العهد، وكذلك بقاء الأمير سعود الفيصل مستشارا ومبعوثا خاصا لخادم الحرمين الشريفين، ومشرفا على الشؤون الخارجية. فإذا كانت الحالة الصحية للأمير سعود الفيصل، وهو الفارس الذي لا يشق له غبار في الشؤون الخارجية، قد تمنعه من القيام بالعمل بالجهد السابق نفسه، فإن المملكة لم تزل في حاجة إلى كل الخبرات والنضج السياسي الذي يمتلكه الأمير سعود.
وإذا كنا نتحدث في سياق الحديث عن القرارات الملكية والتغيرات التي تمنح الشباب الفرصة للقيادة والعمل، فإن كل هذا يتجه صوب دعم الخطط التنموية واستجابة لمتطلبات المرحلة الاقتصادية الراهنة. ولعل هذا واضح في تعيين المهندس عادل فقيه وزيرا للاقتصاد والتخطيط، فهو صاحب خبرة اقتصادية كبيرة عندما كان يعمل في القطاع الخاص، وأيضا له باع طويل في قضايا التنمية عندما عمل في أمانة المنطقة الغربية حتى جاء عمله كوزير للعمل وهو من أهم القطاعات الاقتصادية في أي اقتصاد عالمي حديث، فهذه الخبرة التراكمية تجعل المهندس عادل الأجدر بهذا المنصب الاقتصادي المهم جدا، ولعل هذا يأتي متناسقا تماما مع ما سبق من قرارات خادم الحرمين الشريفين، بنقل جميع اختصاصات التخطيط والاقتصاد التي كانت تشرف عليها وزارة المالية إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط، ومرة أخرى تظهر حكمة خادم الحرمين الشريفين في المحافظة على أصحاب الخبرات الطويلة والمتراكمة بتعيين الدكتور محمد الجاسر مستشارا في الديوان الملكي، وهو صاحب التجربة الكبيرة في مؤسسة النقد في فترات اقتصادية صعبة، وكذلك صاحب خبرة في الاقتصاد والتخطيط عندما كان وزيرا لها.
وباستعراض التغيرات الرئيسة الأخرى في الهياكل الإدارية للوزارات المختلفة نجد أن إعادة هيكلة الوزارات قد بدأت فعلا من خلال دراسة وضع كل وزارة مع التغيرات الهيكلية التي تمر بها وبما يتناسب مع المرحلة التنموية الراهنة، فوزارة التعليم الحالية تعاني توسعا كبيرا في أعلى هرمها نظرا للدمج الذي حصل بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، فكان من الواجب إعادة النظر في هذه الهيكلة وتأثيراتها، ومن المؤكد أن العمل في هذه الوزارة قد يقتضي مزايا من التحرر والترتيب، خاصة أنها تشرف على بناء الشباب وتأهيلهم مهنيا وعقليا وتربويا، فلم تعد المسألة علمية فقط كما كانت في التعليم العالي ولا تربوية كما كانت في التعليم العام، بل إن دمج الأمرين معا في وزارة سيكون عليه عبء المستقبل كله. وفي هذا السياق يمكن قراءة التعديلات في وزارة الصحة.