«أوكاي»

تبهرك تلك الأضواء الساحرة المنعكسة على صفحة نهر "ناجارا" في جيفو اليابان، الصادرة من مشاعل مثبتة على قوارب صيد تحيط بها مجموعة من الطيور الضخمة في تناغم جذاب، وعلى متن تلك القوارب لن تجد صنارات ولا شباكا لصيد الأسماك، وإنما يتم الصيد بطريقة مبتكرة، وبتقليد ياباني عمره أكثر من 1300 سنة باستخدام "طيور الغاق"!
والغاق عائلة من الطيور البحرية التي تتغذى على الأسماك بشكل رئيس، لذا هي خبيرة في الصيد، تنتظر فرائسها على شواطئ البحر أو على جانب الأنهار، وفي اللحظة المناسبة تغوص تحت الماء مسافة 20 مترا تقريبا؛ بسبب تركيبتها الجسمانية، وريشها الناعم، ووجود أكياس هوائية تحبس ما تحتاج إليه من أكسجين خلال الفترة التي تكون فيها تحت الماء، وتدفع نفسها بأجنحتها وأقدامها، وتصطاد الأسماك بمناقيرها المعقوفة.
تعلم الصيادون في الصين واليابان القديمة الحفاظ على هذه الطيور وتدريبها لمساعدتهم على صيد الأسماك في الأنهار. المعروف باسم صيد الغاق أو "أوكاي" في اليابان. ولا يزال يمارس في أماكن مختارة في اليابان والصين حتى الآن.
وكان أول تطويع وتأليف لطيور الغاق الغواصة قد استهله الصيادون في الصين عام 960 تقريبا، كما تذكر مخطوطات وكتب التاريخ، حيث إنها تحصل على طعامها فطريا بهذه الطريقة، فاستغلها البشر هناك لمنفعتهم.
يتم "صيد الغاق" تحت جنح الظلام وخلال ساعات الشفق، بواسطة مجموعة من الصيادين المهرة على زوارق خشبية طويلة، يقود كل قارب نحو عشرة من طيور الغاق التي تسبح إلى جانب القوارب، وتغوص تحت الماء لصيد الأسماك عن طريق ابتلاعها. ويتم ربط فخ بالقرب من قاعدة حلق الطيور، وعندما تعود الطيور للقارب يتم استرداد الأسماك من حلقها، والمدهش أن كل طائر يمكنه اصطياد ما يصل إلى ست أسماك في حلقه في وقت واحد.
أما تلك الأضواء المنتشرة في المكان، فتعمل على إنارة الطريق، ومساعدة الطيور على العودة إلى القوارب، وعلى الرغم من وجود أساليب كثيرة ومتطورة للصيد وصعوبة الصيد بهذه الطريقة وما تتطلبه من مهارات عالية لدرجة أن صيادي الغاق كانوا يمنحون لقب "صيادي الغاق لوكالة البلاط الإمبراطوري" رسميا ويرثه الابن عن الأب، إلا أن اليابان حافظت على هذه المهنة، وجعلت النهر منطقة محمية لإبقاء مياهه نظيفة وصحية، ما شجع على استمرارية الصيد بهذه الطريقة لعصور متتالية، وكذلك الحفاظ على تراثها وتقاليدها، ولجذب السياح لمشاهدة واحدة من أغرب وأجمل طرق الصيد بعد أن كانت مجرد وسيلة لكسب الرزق!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي