وصمة عار ستلاحق الدواعش إلى الأبد

وصمات العار التي ستلاحق الداعشيين ومن في حكمهم من الغلاة والمتطرفين "الإسلاميين" كثيرة منذ اليوم الأول لظهورهم البائس على خريطة الأحداث في سورية والعراق، كان آخرها الطريقة البشعة التي قتلوا بها الطيار الأردني معاذ الكساسبة ـــ رحمه الله.
على أنّ اسم الياباني "كينجي جوتو" سيبقى أيضا محفورا في الأذهان لزمن طويل كدليل على التوحش الذي طبع أعمال هذه الفئة المارقة المتطفلة على الإسلام.
وبطبيعة الحال فإن اليابان لئن كانت اليوم حزينة ومتألمة على فقد واحد من أبنائها البررة، فإنها ستتعافى بسرعة من الصدمة وستواصل مسيرتها في خدمة الإنسانية والبشرية مثلما كان حالها طوال العقود الماضية، اختراعا وإنجازا ومساهمة في الأعمال الإغاثية حول العالم وتقديما للمساعدات التنموية لدول العالم الثالث ومشاركة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وتوفيرا لكل ما يخدم البشرية من تقنيات. وهي في هذا تعتمد على إرث حضاري منيع وثقافة خاصة متميزة وسلوكيات اجتماعية نبيلة معطوفة على الإيثار واحترام ثقافة الآخر والانحياز للسلام والمحبة والتعاون.
لكن ماذا عن الطرف الآخر الذي لا يملك أي رصيد، ولم يسهم بمثقال ذرة في الحضارة الإنسانية، بل الذي استغل ما أنجزته هذه الحضارة من وسائل في أعمال الهدم والتدمير والحرق، وسفك دماء الأبرياء، وسبي النساء، والاعتداء على الطفولة البريئة وغير ذلك من أعمال يندى لها الجبين؟ لا شك أن النقمة ستزداد عليه في كل مكان، واللعنة ستطارده في كل آن.
إن كينجي غوتو قد رحل إلى جوار ربه ملتحقا بقائمة طويلة ممن نحرتهم "داعش" بدم بارد من صحفيين وعمال إغاثة وممرضين أجانب من أمثال الأمريكيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف وبيتر كاسينغ، والبريطانيين ديفيد هينز وآلن هينينغ. وكان آخر هؤلاء الرهينة الياباني "هارونا يوكاوا"، الذي أعدم الشهر الماضي بعدما رفضت طوكيو دفع فدية بمبلغ 200 مليون دولار مقابل إطلاق سراحه. لكن العمل الدنيء الذي ارتكب بحق هذا الأخير ومواطنه "كينجي غوتو" لن يثني اليابانيين عن مواصلة دعمهم للجهود الدولية الهادفة إلى قطع دابر الإرهاب والتوحش من العالم بصفة عامة ومن الشرق الأوسط بصفة خاصة، بل سيزيدهم إصرارا على انتهاج هذا المنحى على حد قول رئيس الوزراء "شينزو آبي"، خصوصا أن "غوتو" لم يرتكب جرما بحق أي إنسان أو جهة، ولم ينخرط في أي تنظيم معاد للدواعش، ولم يفعل ما يستوجب قطع رأسه بوحشية. فالرجل عرف عنه إنسانيته وعمله الدؤوب مع منظمة اليونيسيف ووكالة الأونروا وغيرهما من المنظمات الدولية، كما عرف عنه جهوده الصحفية في إبراز تداعيات الحروب والقلاقل والصراعات على الأطفال واللاجئين والمرضى والمشردين عبر تغطيات صحفية متقنة لمناطق النزاعات في سيراليون وراواندا ودول البلقان والشرق الأوسط، الأمر الذي يحسب له وليس عليه. لكن وحوش القرن الـ21 آن لهم أنْ يتفهموا كل هذا الجهد الخيّر، وهم الذين لم يسلم من همجيتهم حتى إخوتهم المسلمون، وآخرهم الطيار الشهيد معاذ الكساسبة.
وكما في كل العمليات الجبانة السابقة التي قامت بها «داعش» اختطافا وتهديدا وابتزازا، وما تلاها من خروج ذوي الضحايا على وسائل الإعلام لاستعطاف المجرمين علهم يفرجون عن أحبتهم، فإن “جونكو ايشيدو” والدة "غوتو" خرجت أيضا على وسائل الإعلام دامعة العين كسيرة النفس.
غير أنّ الاختلاف هذه المرة كان في سبب الظهور أمام وسائل الإعلام! فهي لم تفعل ذلك من أجل أن تستجدي وتستعطف الخاطفين عبر تعداد مناقب ابنها وصولاته وجولاته الإنسانية والإعلامية في الوقوف إلى جانب المشردين واللاجئين والأطفال حول العالم، لأنها لو فعلت هذا لوصمت من قبل مواطنيها بالأنانية والفردية وتمجيد ابنها بحسب رأي "جيف كينجستون" مدير الدراسات الآسيوية في فرع جامعة تيمبل الأمريكية في طوكيو، إنما ظهرت في الإعلام المحلي من أجل أن تعتذر لشعبها وحكومتها ومجتمعها عما تسببت فيه قضية ابنها لهم من متاعب وقلق. والاعتذار، كما هو معروف، جزء أصيل من الثقافة اليابانية ويمارسه الكبار والصغار في حياتهم اليومية.
ولعله من المفيد أن نشير في سياق الحديث عن الرهينتين اليابانيين إلى أن تعاطف اليابانيين مع الرهينة "غوتو" كان أكبر من تعاطفهم مع زميله "يوكاوا"، والسبب أن الأول إعلامي لامع ذو خبرة وصاحب سجل في الالتزام والانضباط، بعكس الثاني الذي لم يـُعرف عنه سوى اللامبالاة والتفكك الأسري والبحث عن المغامرات التي ورطته في نهاية المطاف في الشأن السوري، وجعلت الأول ضحية له.وإذا كان اليابانيون قد رحبوا في السابق بسفر "غوتو" إلى مناطق الصراعات والحروب بسبب لهفتهم على معرفة الحقائق الإخبارية من أحد مواطنيهم مباشرة، فإنهم باتوا يتساءلون اليوم عن الأسباب التي تدفع بعض مواطنيهم للسفر إلى مناطق يعرفون مسبقا أنها محفوفة بالمخاطر وقد تؤدي بهم إلى القتل أو الخطف أو الاعتقال، وبالتالي وضع الأمة كلها في محنة. والحقيقة أن هذا المنحنى بدأ يتزايد منذ عام 2004 حينما تم الإفراج عن ثلاثة يابانيين من قبل إحدى الجماعات الميليشياوية في العراق. وقتها اعتقد هؤلاء أنهم سيستقبلون بالحفاوة بمجرد عودتهم إلى وطنهم، لكن الإعلام المحلي فاجأهم بحملة شعواء لتسببهم في مشاكل للحكومة والناس، ودعت الحكومة إلى إلزامهم بدفع نفقات نقلهم من بغداد إلى طوكيو جوا بدلا من أن يدفعها دافع الضرائب الياباني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي