سعر برميل النفط .. في بحر عام 2015
واضح من خلال اهتمام الشارع السعودي بأرقام ميزانية الدولة أن سعر برميل البترول سيكون محل متابعة كل مواطن سعودي طوال عام 2015.
إن بعض المراقبين قالوا، إن السعودية بنت ميزانيتها على أساس سعر 75 دولارا للبرميل، وأنا أستبعد أن حكومة المملكة العربية السعودية تتبع سياسة المبالغة في سعر برميل النفط، بل عوّدتنا الحكومة السعودية على اتباع سياسة الواقعية، أي تبني توقعاتها على السعر الأدنى حتى لا تقع ضحية التقديرات المبالغ فيها، حتى ولو كانت الحسابات على أساس معدل التصدير وليس على معدل الإنتاج اليومي. ولذلك فأنا مع التقرير الذي أصدرته وحدة التقارير الاقتصادية في صحيفة "الاقتصادية" الذي أوضح أن موازنة 2015 بنت تقديراتها على أساس سعر 59 دولارا لبرميل البترول، كذلك فإن بعض مؤسسات الاستثمار المشهود لها بالموضوعية قدرت سعر برميل البترول المقدر في الموازنة بين 55 و63 دولارا للبرميل.
وأزعم أن السياسة السعودية -في جميع المجالات- هي سياسة واقعية تهتم كثيرا بالحيطة والحذر حتى لا تقع ضحية التهويل والمبالغات.
وأتصور أن سعر 60 دولارا للبرميل في بحر عام 2015 ربما يكون من أكثر الأسعار المرجحة لأسباب موضوعية كثيرة، منها -على سبيل المثال- أن الاقتصاد الصيني والهندي والياباني ومنطقة اليورو لن تظل في حالة ركود اقتصادي، فلا بد من انتهاج سياسات تعيد اقتصادياتها إلى مزيد من الرواج والنشاط، لزيادة معدلات النمو، وإذا حدث هذا فإن هذه الدول العملاقة اقتصاديا سوف تعود تدريجيا إلى سوق البترول وتعود إلى سيرتها الأولى وتشتري المزيد من البترول بما يغطي مشاريعها وبرامجها الإنعاشية.
بمعنى أن دولا مثل الصين واليابان ومنطقة اليورو لن ترضى بأن تكون كبش فداء لأزمة الركود التي تعانيها، بل باشرت هذه الدول بالفعل تنفيذ سياسات تستهدف الارتفاع بمعدلات النمو لتحقيق انتعاش اقتصادي يعيدها إلى سوق البترول من أجل زيادة تشغيل عجلة الإنتاج من جديد.
وبالنسبة للمضاربين الذين أسهموا في خفض أسعار البترول، فإننا نزعم بأنهم انتهوا من دورة العزوف عن الشراء، وبدأوا دورة العودة إلى سوق المشترين لبدء جولة جديدة من عمليات التحضير لجني الأرباح.
أما بالنسبة لزيادة إنتاج النفط الصخري، فإنه قد بلغ أوجه، وإن انخفاض الأسعار أكثر من 70 دولارا للبرميل لن يكون في مصلحة الدول المنتجة للنفط الصخري، بمعنى أن الرهان على إنتاج النفط الصخري مربوط بتكلفة إنتاجه، ومربوط أيضا بمدى تأثيره في تحقيق بيئة نظيفة لا بيئة ضارة بالمناخ الدولي العام.
وفيما يتعلق بالمنتجين من خارج "أوبك"، فإنهم -على وجه العموم- يستهدفون تحقيق الأرباح، ولا يستهدفون المنافسة على تحقيق الخسارة.
ولذلك فإن هناك حدودا تمنع المنتجين من خارج "أوبك" من الاستمرار في ضخ النفط بأسعار أقل من 60 دولارا، فالأدوات التي تحكم الدول المنتجة من داخل "أوبك" هي الأدوات نفسها التي تحكم المنتجين من خارج "أوبك"، وتتمثل هذه الأدوات في تكاليف الإنتاج، بمعنى إذا كانت التكلفة عالية فإن الأسعار ترتفع، وإذا كانت التكلفة منخفضة، فإن الأسعار تنخفض.
وكل هذه الدول العملاقة اقتصاديا حققت في العامين الماضيين انخفاضات في معدلات النمو أثرت حتما على مستوى الطلب في سوق البترول العالمي، أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا يخوضون معركة كسر العظام مع روسيا إزاء القضية الأوكرانية حيث اتخذ الغرب عدة قرارات عقابية ضد روسيا، ويرى الغرب أن إغراق السوق البترولية سوف يؤدي إلى خفض أسعار البترول، وخفض أسعار البترول سوف يلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد الروسي، بمعنى أن انخفاض أسعار البترول هي إحدى وسائل الضغط المهمة على بوتين من أجل تليين موقفه إزاء القضية الأوكرانية.
والأرقام والإحصاءات تقول، إن تكاليف الإنتاج -حتى الآن- لا تتحمل أكثر من 60 دولارا للبرميل، وتكلفة الإنتاج الآن بالنسبة للبترول التقليدي ما زالت أقل من تكلفة إنتاج البترول الصخري.
وفي ضوء كل هذه الحقائق فإن المتوسط المرجح لأسعار البترول في بحر عام 2015 هو سعر يتراوح بين 60 - 70 دولارا للبرميل.
وشخصيا لا أود أن أخوض أكثر من ذلك في موضوع أسعار البترول طوال عام 2015، ولكن يجب أن ندرك أننا دخلنا في دورة اقتصادية جديدة، وإن هذه الدورة لها خصائص تختلف عن الدورات السابقة، وتتضمن مزيدا من الهبوط في الأسعار حتى تصل إلى نقطة توازن جديدة تقف عندها، وأزعم أنها 60 دولارا، ثم تستعيد المزيد من التوازن بالصعود النسبي إلى 70 دولارا، ولكن على جميع السعوديين أن يتعظوا ويستوعبوا الدرس ويستعدوا للتكيف مع أوضاع اقتصادية جديدة ودورة اقتصادية تتطلب الكثير من الحيطة والحذر والاقتصاد.
أما بالنسبة لأسعار البترول فيما بعد عام 2015، فإن متغيرات كثيرة سوف تدخل السوق، وسوف تضع هيكلا جديدا لأسعار البترول بخاصة، وأسعار الطاقة بعامة.
وما يجب أن نهتم به ونخطط له هو أن نبذل جهودا مكثفة لاستخدام التكنولوجيا من أجل خفض تكاليف إنتاج البترول السعودي استعدادا لجولة جديدة -في المستقبل القريب- من جولات انخفاض أسعار البترول التي بدأت جولاتها الأولى ويتبقى لها المزيد من الجولات والتحديات.