الجنس.. وزمن الأوغاد
ذعر الروائي السوداني الراحل الطيب صالح، وقد رأى السودان تكتم أنفاسه وتزهق روحه في "بيوت الأشباح" بيد عصاته جبهة الإنقاذ، وهم نسخة من جماعة الإخوان المسلمين.. فكتب يقول "من أين جاء هؤلاء؟" وهو السؤال الذي ما زال يستنزف أحبار الكتاب وأقوال المحللين بحثاً عن الإجابة عليه وقد تعاظم بلاء الإرهاب وعمت شروره.
بالأمس تناقلت أجهزة الهواتف المحمولة ومواقع الإنترنت صورة لمجموعة من الأوغاد ممن يجاهرون بداعشيتهم ويتنافسون في مزاد غرائزي على ضحاياهم من النساء في سوق يتعهرون بتسميته، سوق السبايا.
إننا حقا في زمن الأوغاد.. حيث الوقاحة الفاجرة المنفلتة من أي شعور بشري، أما الحس الإنساني فهيهات.. فأنا على يقين أن مرارات العالم قد تجمعت في حلق كل من شاهد أولئك الأوغاد وهم مخمورون بسعار جنسي شيطاني وروح بهيمية تنز شهوة عمياء ونزوة منحطة قذرة.
ليس بوسع من رأى أولئك الأوغاد أن يتخيل أن بطن أم رؤوم ضمتهم أو أن لهم أختا أو ابنة أو قريبة.. إذ كيف يصل حد الوضاعة والسفالة إلى هذه الدرجة من القطيعة الوجدانية والعقلية مع عالم كانوا بالأمس القريب فيه، بين أم وأخت وبين أب وأخ.. وحتماً لا سبيل إلى القناعة بأن مثل هذا الجنون إنما حصل بسبب غسيل المخ.. فهذا التبرير لا يبنغي قبوله، حتى في حالة وجوده، ليترافع عن أوغاد (داعش) الذين يفاخرون بقطع الرؤوس وبقر البطون وتهشيم الأجساد والسطو العنيف، ويتفاخرون بالسبي والمنافسة في سوق للسبايا... فهؤلاء ليسوا منتج غسيل مخ، ولا منتج إفلاس التنمية العربية ولا فشل النظام العربي فحسب، وإنما هم بالإضافة إلى كل ذلك منتج أنفسهم.. كيف؟
لا أعفي هؤلاء الأوغاد من أنهم يستثمرون عقدهم النفسية وخواءهم الفكري وفراغهم الروحي وانحطاطهم الأخلاقي للحصول على المتعة والمال مع الشعور بالأهمية لدورهم الارتزاقي حطبا لنا أجندة توقد بهم.. وهم في انتهازيتهم تلك غفل سادرون.
إذ من الواضح أن داعش تعزف على وتر الغريزة الجنسية، تجتذب من خلالها فتيانا وشبابا ظلت ثقافتهم الاجتماعية الرسمية تنظر إلى الجنس على أنه رجس لا سبيل لتحاشي الوقوع فيه إلا بترسيخ العداوة بين المرأة والرجل وبجعل الأخير وصيا على الأولى، فيما التراث الشفهي في المجالس والتراث الأدبي المكتوب يعج برياح الشهوة وجمر شبق الغريزة السوية والشاذة.. ولذلك اتخذت مكينة داعش الإعلامية من الجنس مادة جذب للشباب المتعطش إليه، مثلما اتخذت من المجاهرة الفضائية بجز الرؤوس وسيلة للإرهاب وللإيحاء بالأهمية والفروسية في نفوس هؤلاء الفتية المستدرجين لتغولها.
ومع أن أوغاد داعش لم يظهروا في سوق السبايا صورا لنساء بخلاف مناظر قطع الرؤوس إلا أن هذا لا يعني أنه لا سبايا عندهم، بل إنه قد تم تعمد ذلك من قبيل التحفيز الايروتيكي (المتعة) لكي يرسم الواحد منهم المشهد الإغرائي كيفما يأخذه خياله فيدفعه ذلك إلى الالتحاق بداعش لاكتشاف هذا الكنز الشبقي والغنيمة منه!
لم يتوقف السبي عبر التاريخ، فالنساء كن ضحايا حروب كل الأمم، حتى العصر الحديث، حيث دخل هذا الفعل نطاق المحرم دوليا ضمن مبادئ حقوق الإنسان.. إلى أن فرخ الإسلام السياسي جماعات الجهاد والتكفير.. وقدمت داعش نفسها متبنية مطبقة له بتشهير إعلامي للأسباب التي سبقت الإشارة إليها.. ومع ذلك فإن هذا الفعل الجنسي الشنيع بالإضافة إلى دموية داعش ولصوصيتها سيجري عليه ما جرى على غيره من اندحار عصابات عنفية متطرفة أخرى.. وبغض النظر عما إذا كان للتدخل الأمريكي أثره في اختزال زمن دحر داعش، فإنه من المؤكد أن الروح السوية لإنسان هذه الأرض، كغيرها من كل أرض لن تجعل لأوغاد داعش قدرة على البقاء مهما بغوا وطغوا.. إذ لا يصح إلا الصحيح، وإن كان الثمن فادحا: ضحايا أبرياء وخراب وطن!