مأساة غرق العبّارة تهيمن على الانتخابات الكورية

حتى الآن مضى نحو ربع الفترة الرئاسية للسيدة بارك جيون هي كزعيمة لجمهورية كوريا الجنوبية التي ستنتهي في شباط (فبراير) 2018. وخلال هذه الفترة انشغلت ابنة باني النهضة الاقتصادية الكورية الديكتاتور السابق "بارك تشونج هي" بقضايا بلادها الخارجية ولا سيما مشاغبات واستفزازات النظام الكوري الشمالي والتهديدات المحتملة من الصين. لكنها اليوم مضطرة إلى توجيه جهودها نحو الداخل، خصوصا مع قرب موعد الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في نيسان (أبريل) 2016. هذه الانتخابات التي لا يمكن استبعاد تأثر نتائجها بتداعيات مأساة غرق العبارة "سول" التي كانت تقل 475 شخصا، أغلبيتهم من طلاب المدارس الثانوية في 14 نيسان (أبريل) 2014 قبالة الساحل الجنوبي الغربي للبلاد بسبب الأمطار والرياح القوية.
ويتوقع مراقبون كثر أن يفقد حزب ساينوري المحافظ الحاكم هيمنته على البرلمان، علما بأنه يحتفظ اليوم بـ 147 مقعدا مقابل 126 مقعدا للمعارضة الليبرالية ممثلة في تحالف "السياسة الجديد من أجل الديمقراطية" ــ ائتلاف تأسس في آذار (مارس) الماضي من الحزب الديمقراطي وحزب السياسة الجديدة الصغير ــ هذا ما لم يقم الحزب الحاكم خلال الأشهر الـ 21 المتبقية على موعد الانتخابات العامة بتغيير سياساته وأولوياته من أجل مواجهة جملة من التحديات الداخلية.
من المعروف أنه على الرغم من الانتقادات الحادة التي وجهها الكوريون الجنوبيون إلى الرئيسة وحزبها الحاكم بسبب حادثة العبارة المأساوية واتهامهم السلطات بالتقصير وعدم الاستعداد الكافي لمواجهة الكوارث، إلا أنهم منحوهما فرصة ثانية لتدارك الوضع وإصلاح الخلل. وقد تجسد ذلك في نتائج الانتخابات المحلية وانتخابات حكام المدن الرئيسة في الرابع من حزيران (يونيو) المنصرم. حيث حقق الحزب الحاكم نتائج نهائية جيدة سواء من جهة عدد مقاعده في المجالس المحلية أو من جهة عدد حكام المدن المحسوبين عليه. غير أن رفض واحد من بين مرشحين اثنين قبول منصب رئيس الحكومة بدلا من رئيس الحكومة الأصيل "جونج هونج وون" الذي تحمل مسؤولية غرق العبارة وقدم استقالته في 28 نيسان (أبريل) المنصرم، واضطرار مدير المخابرات الوطنية وكبير مسؤولي الأمن القومي في قصر الرئاسة المعروف بـ "البيت الأزرق" "كيم جانج سو" للاستقالة هو الآخر على خلفية التصريحات المستهجنة التي قال فيها "إن جهازه ليس برجا للمراقبة لمواجهة الكوارث والتعامل مع غرق السفن" أحرج الرئيسة بارك وتسبب في خفض شعبيتها بنحو 40 في المائة طبقا لأحد استطلاعات الرأي، خصوصا أنّ أحد مطالب المعارضة التي جيشت الشارع كان أن تتحمل هي شخصيا مسؤولية الكارثة وتستقيل من منصبها. وقد وصف المراقبون انخفاض شعبية بارك بهذه النسبة في حينه بما حدث للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على أثر إعصار كاترينا الذي ضرب نيواورليانز وتسبب في مأساة إنسانية كبرى، ناهيك عن كشفها خللا عميقا حول مدى التنسيق ما بين الدولة وأجهزتها ووكالاتها المعنية بحالات الطوارئ، وتضارب تقاريرها.
وتضاعفت مشكلات السيدة بارك بقيام البرلمان في 23 أيار (مايو) المنصرم باختيار رئيس جديد له هو "تشونج وي هوا" المنحدر من مدينة بوسان الجنوبية بأغلبية 45 صوتا. وهذا الأخير غير مقرب من السيدة بارك على خلاف مرشحها لرئاسة البرلمان الرئيس السابق للحزب الحاكم "هوانج وو يي".
على أن ما سبق قوله ليس كل شيء. فالرئيسة بارك واجهت في 14 تموز (يوليو) الماضي تحديا جديدا خلال المؤتمر العام لحزبها والذي عقد بحضور نحو 200 ألف من الأعضاء من أجل انتخاب زعيم جديد للحزب وأربعة أعضاء في مجلسه الأعلى، حيث فاز المشرع المخضرم "كيم مو سونج" ــ كان ــ كزعيم للحزب على حساب مشرع مخضرم آخر مقرب من الرئيسة هو "سوه تشونج وون". وفي أول خطاب لـ "كيم مو سونج"، الذي كان يحظى بدعم الرئيسة بارك يوما ما، تعهد بمنح حزبه وجها محافظا جديدا استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة في عام 2017. أما الرئيسة بارك التي حضرت المؤتمر كأول زعيم للبلاد يحضر مثل هذه المؤتمرات منذ عام 2008 فقد تعهدت من جانبها بتعزيز وتقوية الاتصالات ما بين قمة الحزب وقواعده الجماهيرية.
إلى ما سبق، كثرت الانتقادات الموجهة في الإعلام المحلي للرئيسة بارك على خلفية الأسماء التي اختارتها لتولي الحقائب الوزارية في حكومة رئيس الوزراء الجديد "آهن داي هي" القاضي السابق في المحكمة العليا. وبطبيعة الحال لعبت المعارضة دورا في إذكاء هذه الانتقادات عن طريق كشف جوانب من سير الوزراء الجدد، والادعاء بانخراطهم في عمليات فساد وإفساد.
وفي هذا السياق يزعم إيدن فوستر كارتر الباحث في الشؤون الكورية وأستاذ التاريخ في جامعة ليدز البريطانية أن الرئيسة بارك تواصل مواهبها في اختيار الأسماء الخاسرة للمناصب الحكومية والرسمية. ويضرب مثلا باختيارها "كيم ميونج سو" لشغل مناصب نائب رئيس الوزراء ووزير التربية ووزير الشؤون الاجتماعية، زاعما أن الأخير تدور حوله شبهات كثيرة أقلها الاحتيال. أما صحيفة "جونج أنج إلبو" اليمينية فقد وصفت هذا الوزير بـ "الخيار العار". ويضيف الباحث البريطاني قائلا أنه حتى لو قامت الرئيسة بارك بسحب الحقائب الوزارية من هذا الشخص وطرده، فإن الضرر قد وقع ولا يمكن إصلاحه بسهولة. أما المثال الثاني الذي تعرض له الباحث البريطاني لتأكيد سوء اختيار الرئيسة للمسؤولين الكبار فهو "لي بيونج كي" الذي اختارته بارك كمدير جديد لجهاز المخابرات في تموز (يوليو)، الذي أعادت الصحافة التذكير بتورطه في قضايا دفع رشوة سياسية بمبلغ نصف مليون دولار في عام 2002. لكن مصادر الحزب الحاكم ردت بالقول إن المعارضة سعت وتسعى إلى تلطيخ سمعة كل خصومها باتهامهم بالفساد والرشوة، "وتنسى أنها هي نفسها كانت متورطة في الفساد آنذاك، وبالتالي فمزاعمها تنطوي على نفاق فاضح".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي