الابتعاث وبيئة ريادة الأعمال
برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث من أهم البرامج التنموية الطامحة لتأهيل الشباب السعودي بالعلم والمعرفة والمهارة، وهو من أبرز ملامح السنوات العشر الماضية في المشهد السعودي. العديد من المقالات الصحافية والبرامج التلفزيونية تحدثت عن أثر برنامج الابتعاث المعرفي والثقافي والاجتماعي. يسهم الابتعاث في تنمية مهارات الشباب ويوفر لهم الفرصة للدراسة في جامعات تختلف بيئاتها عن بيئة الجامعات المحلية. ولا تقتصر عادة فائدة المبتعثين على الشهادة الجامعية، فالوجود في بلد الابتعاث في حد ذاته والاحتكاك مع مؤسسات بلد الابتعاث وأهله ومحاولة التأقلم مع البيئة الجديدة فرصة للتنمية والتطوير المستمر.
في الوقت نفسه، تزايدت برامج ريادة الأعمال السعودية على مستوى البرامج الحكومية والخاصة، حتى أن كثيرا من الجامعات أنشأت وكالة لدعم الأعمال والإبداع المعرفي، وأصبح هناك أقسام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة في كثير من المصارف والشركات الكبرى. في هذا السياق، يجدر التساؤل: ما علاقة الابتعاث بريادة الأعمال؟ وهل الابتعاث في بيئة ريادة الأعمال وفي السوق السعودية؟
من أبرز التغيرات في المشهد السعودي منذ بدأ برنامج الابتعاث الاهتمام المتزايد بالتحصيل العلمي، والشهادة الجامعية والدراسات العليا خصوصا في السنوات الخمس الماضية. فمن لديه شهادة الثانوية يسعى لإكمال شهادة البكالوريوس، ومن لديه البكالوريوس يسعى لأخذ شهادة الماجستير، ومن حصل على الماجستير يجاهد لنيل الدكتوراه، ومن لا يستطيع الحصول على بعثة خارجية، يسعى جاهدا للحصول على قبول في الجامعات المحلية أو بعثة داخلية.
في الوقت نفسه، ازداد اهتمام العائلة السعودية بالسفر الخارجي، والتعرف على ثقافات وشعوب مختلفة، ومحاولة استيعاب وجهات النظر المتباينة. حتى أصبح كثير من العائلات التى كانت تنبذ السفر الخارجي، من أبرز عملاء وكالات السفر والسياحة.
هذه التغيرات الاجتماعية قد تكون من العدوى الحميدة لبرنامج الابتعاث, لكن ما علاقة هذه التغيرات بريادة الأعمال؟ يجيب على هذا التساؤل الدكتور جوس ميلان ورفاقه الذين نشروا بحثا حديثا هذا العام بعنوان "قيمة المجتمع المتعلم في نجاح رائد الأعمال" "The value of an educated population for an individual's entrepreneurship success" في مجلة الأعمال المغامرة المعروفة Journal of Business Venturing
على خلاف أبحاث كثيرة ركزت على أهمية التعلم والتدريب والخبرة وغيرها من السمات التي تساعد رواد الأعمال على النجاح، ركز هذا البحث، الذي جمع بيانات من الدول الأوروبية في الفترة من عام 1994 إلى عام 2001، على المجتمع الذي يعمل فيه رواد الأعمال، وكان سؤال البحث الرئيس هو: هل يؤثر المجتمع المتعلم والواعي في نجاح رواد الأعمال فيه؟