الهند بقيادة «مودي» تحقق اختراقات دبلوماسية ناجحة

يبدو أن رئيس الحكومة الهندية المنتخب في أيار (مايو) الماضي "ناريندرا مودي" بات يحقق نجاحا تلو الآخر على صعيد العمل السياسي والدبلوماسي الخارجي، الأمر الذي انعكس إيجابا على شعبيته الداخلية، بما في ذلك شعبيته لدى الفئات التي كانت قلقة من صعوده المذهل إلى السلطة في نيودلهي. فما يهم المواطن الهندي العادي على وجه التحديد هو الاستقرار والأمان واستمرار الجهود التنموية لتحسين مستواه المعيشي. ومودي الذي يعرف هذا جيدا، بل لديه خبرة في هذا الميدان من السنوات الطويلة التي قضاها سيدا لولاية غوجرات وما حققه فيها لمواطنيها من إنجازات، وضع الأمر نصب عينيه وهو يخطو خطواته الأولى في السلطة المركزية في نيودلهي.
فمن بعد زيارته الخارجية الأولى الناجحة إلى اليابان، التي تعد في مقدمة الدول الداعمة للهند في مجالات الاستثمار والمساعدات ونقل التكنولوجيا، واتفاقه مع مسؤوليها على تعزيز الروابط الاقتصادية والاستثمارية الثنائية، نجح مودي أكثر من كل أسلافه في كسر حائط الجليد في العلاقات الهندية - الصينية، وذلك حينما احتفى في نيودلهي ثم في مسقط رأسه (أحمد آباد) في 17 أيلول (سبتمبر) الماضي بنظيره الصيني "شي جينبينغ" وعقد معه محادثات مطولة أسفرت عن عقد مجموعة من الاتفاقيات الهادفة إلى تنشيط التجارة البينية وتبادل الخبرات وتنشيط الاستثمارات في الاتجاهين، بل إن الضيف الصيني كتب مقالا في صحيفة "ذ هيندو" واسعة الانتشار قال فيه، إن"العلاقة بين الصين والهند أصبحت من أكثر العلاقات الثنائية دينامية وواعدة في القرن الحادي والعشرين". بعيد هذين الحدثين راح العديد من المراقبين يتحدثون عن توجه جديد للسياسة الخارجية الهندية قوامه التحالف مع القوى الآسيوية الكبرى كبديل للتحالف الهندي - الأمريكي الذي أسسه ورعاه رئيس الوزراء الهندي السابق "مانموهان سينغ" وهو من قيل عنه إنه لم يمر في تاريخ الهند الحديث زعيم مثله لجهة التعاون والارتباط مع الأمريكيين. غير أن وزيرة الخارجية الهندية "سوشما ساواراج" خرجت لتفند هذا الزعم وتقول، إن سياسة بلادها الخارجية تقوم على الاستمرارية وتحكمها المصلحة الوطنية العليا ولا تتغير بتغير الحكومات. وقد أثبت مودي صحة كلام وزيرة خارجيته في أواخر أيلول (سبتمبر) الماضي حينما توجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية بهدف كسب ود إدارتها الحالية التي كانت تقاطعه ونظرت إليه بحذر أثناء توليه رئاسة الحكومة المحلية لولاية غوجرات، وذلك على خلفية الاتهامات الموجهة إليه بارتكاب حملات عنيفة ضد مسلمي غوجرات في عام 2002. وعلى الرغم من أن الإدارات الأمريكية باتت في السنوات الأخيرة تنظر إلى الصين كتهديد استراتيجي، وبالتالي تنظر بعين الشك والريبة إلى كل من يتعاون معها مثل مودي، فإن الأخير نجح في بناء علاقات مع نظيره الأمريكي تقوم على الثقة والاحترام خلال زيارته لواشنطن التي أعقبت زيارته لنيويورك لإلقاء كلمة الهند في الجمعية العامة للأمم المتحدة، علما بأن زيارته لنيويورك كانت أيضا فرصة للزعيم الهندي للالتقاء لأول مرة بقادة دول كبرى ومتوسطة تعول عليها الهند في خططها وسياساتها الاقتصادية الجديدة.
والجدير بالذكر أن مودي روج لبلاده في الولايات المتحدة كموطن آمن للاستثمار، بل وكتب مقالا في الصحافة الأمريكية قال فيه، "تكامل قدرات الهند والولايات المتحدة يمكن أن يستخدم في تحقيق تنمية داخلية وشاملة من أجل تغيير حياة الناس في جميع أنحاء العالم".
وجملة القول، إن الهند بقيادة زعيمها القومي الجديد حققت اختراقات دبلوماسية وسياسية ناجحة، وبما مهد الأرضية للبدء في برنامج مودي الاقتصادي الطموح الذي دغدغ به عواطف الناخبين من مواطنيه في حملاته الانتخابية. إلا أن نجاح هذا البرنامج يبقى مرهونا بعوامل عديدة من واجب الحكومة الهندية أن تضعها نصب عينيها.
من هذه العوامل:
أولا: تخفيض برامج الرعاية الاجتماعية والدعم الاقتصادي وذلك بهدف خلق أرضية وظروف مستدامة لنمو القطاع الخاص القادر على خلق المزيد من الوظائف واستيعاب العاطلين أو ممن سيدخلون سوق العمل قريبا، علما بأن نصف إجمالي عدد سكان الهند هم تحت سن الثلاثين.
ثانيا: القيام بخطوات جريئة غير بيروقراطية لضمان حصول كل الهنود في مستويات التعليم المختلفة على تعليم جيد يؤهلهم للتنافس على الوظائف التي يخلقها القطاع الخاص وقطاع الاستثمارات الأجنبية، وذلك على نحو ما فعلته دول جنوب شرقي آسيا.
ثالثا: محاربة الفساد وخلق بيئة استثمارية تتسم بأقصى درجات الشفافية كي تقترب الهند من الحالة الصينية التي تضرب الفاسدين بقوة كي تعزز من ثقة العامة والمستثمر الأجنبي في مؤسسات الدولة ورموزها، وكي تغادر الهند موقعها الحالي الرابع والتسعين ضمن الدول الـ177 على مؤشر الفساد العالمي، علما بأن هناك استطلاعا للرأي أجري في أوساط الهنود قال فيه 71 في المائة منهم، إن مستويات الفساد زادت بصورة ملحوظة خلال السنتين الماضيتين.
رابعا: تحسين البنى التحتية الضرورية لجذب المستثمرين الأجانب وتشجيع المستثمر المحلي، خصوصا أنه - على الرغم من إنفاق مئات الملايين من الدولارات التي قدمتها الوكالات والمؤسسات والبنوك الدولية- لا تزال الهند تشكو من ضعف بنيتها التحتية بما في ذلك محطات الكهرباء وتنقية المياه، وشبكة الطرق والمواصلات، وشبكات الصرف الصحي.
والجدير بالذكر أن مودي لمّح إلى هذا الموضوع أثناء حملاته الانتخابية حينما قال، "إن الهند بحاجة إلى دورات مياه أكثر ومعابد أقل". وفي هذا السياق كتب "كورتيس تشين" السفير الأمريكي السابق لدى بنك التنمية الآسيوي أنه "لا يكفي أن يركز قادة الهند ودول جنوب شرقي آسيا على قضية تحسين إمدادات المياه وشبكات الصرف الصحي فقط، وإنما عليهم أيضا أن يزودوا المدن والقرى بالكهرباء، الذي بدوره يحسن عمل القطاع الصحي وبالتالي يحمي المجتمع من الأمراض والأوبئة المعيقة للعمل والنشاط.
خامسا: الحاجة إلى بناء مجتمع صلب لا تؤثر فيه دعوات المتطرفين المؤدلجين وذلك عبر تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمسلمي الهند البالغ عددهم نحو 15 في المائة من مجموع سكان البلاد، خصوصا أن هؤلاء مستهدفون للتغرير بهم من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة في جنوب آسيا والشرق الأوسط. وبعبارة أخرى فإن استجابة حكومة مودي إلى مظالم واحتياجات مسلمي الهند، والتحقيق فيما يدعونه من غبن وتمييز سوف يحصن الهند ضد الفوضى ويؤمن لها الاستقرار الضروري للعمل وجذب الاستثمارات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي