المؤشرات العقارية وسوق العقار

ضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير مرفق القضاء، دشن الدكتور محمد العيسى وزير العدل المؤشرات العقارية الـ 36 الجديدة التي تقدم البيانات الإحصائية كمتوسط أسعار الأراضي في المناطق والمدن والأحياء السكنية والتجارية في مختلف مناطق السعودية. هذه الخطوة الرائعة والجريئة من وزارة العدل جاءت لتستغل فيها القاعدة المعلوماتية الكبيرة المتوافرة لديها وتسهل الحصول على المعلومات الحقيقية لأسعار العقار في كل منطقة ومدينة وحي. لكن يبقى السؤال، هل تستطيع هذه المؤشرات العقارية المساهمة في خفض أسعار العقار؟ وهل تستطيع هذه المؤشرات الحد من الصفقات الوهمية واستغلال السوق العقارية؟ سأقوم بتوضيح بعض الأمور المتعلقة بالمؤشرات العقارية في النقاط التالية للإجابة عن التساؤل أعلاه:
أولا: المؤشرات هي أداة للمساعدة على اتخاذ القرار وليس بإمكانها في حد ذاتها خفض أو زيادة أسعار العقارات. هناك نوعان من المؤشرات بحسب مركز الأبحاث الوطنية الأمريكية (NRC). النوع الأول من المؤشرات هي التي تعطينا قياسا وتقييما للوضع الحالي. النوع الآخر من المؤشرات هو الذي يبين السبب والنتيجة. أعتقد بأن هدف وزارة العدل من هذه المؤشرات هو مزيج من النوعين؛ لإعطاء صورة واضحة للسوق العقارية ولمحاولة معرفة السبب والنتيجة. قد تكون الصفقات الوهمية سببا من أسباب ارتفاع أسعار العقار، لكن المؤكد أن المؤشرات العقارية لن تمنع حدوث مزيد من الصفقات الوهمية التي قد تتلاعب حتى بالمؤشر العقاري.
ثانيا: على الرغم من أهمية المؤشرات العقارية في عملية اتخاذ القرار، إلا أن وعي المستهلك أهم خاصة في كيفية التعامل والإفادة من هذه المؤشرات. متوسط سعر العقار السكني – على سبيل المثال- في حي أو مدينة أو منطقة لا يعكس بالضرورة سعر قطعة معينة، لأن الأسعار تتأثر بطبيعة الأرض وواجهتها وجيرانها وغيرها من المؤثرات. أعتقد بأن على وزارة التجارة التدخل لتوعية المتعاملين في السوق العقارية بكيفية الإفادة من هذه المؤشرات.
ثالثا: الهدف الأسمى والأكبر لهذه المؤشرات هو المحاولة في كبح جماح أسعار العقارات الملتهبة, وحتى يتحقق هذا الهدف فلابد من تدخل جهات ومؤسسات حكومية أخرى. على سبيل المثال: تحتاج السوق العقارية إلى قانون ينظمها ويساعد في رفع الغرر والجهالة والغش ويسهم في حماية المغفلين أيضا. فمن غير المعقول أن تكون السوق العقارية الكبرى في المنطقة التي يتجاوز حجمها أكثر من 1.3 تريليون ريال بدون قانون يحكم وينظم علاقة المتداولين فيها وأعتقد بأن على وزارة التجارة السعى وراء ذلك.
رابعا: على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة العدل في هذه المؤشرات، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الشفافية. فما الذي يمنع من إمكانية معرفة السعر والتاريخ الذي بيعت فيه قطعة أرض بعينها، بحيث يمكن البحث عنها عن طريق اسم المخطط ورقم القطعة؟ أعتقد بأن هذه الخطوة ستحد بشكل تلقائي من حالات التغرير والغش المتفشية في السوق العقارية. في الولايات المتحدة، يمكنك الاطلاع على السعر الذي تم به شراء الأرض أو البيت وتاريخ الشراء وهما من المعلومات العامة التي من حق أي شخص الاطلاع عليها. لذلك، وعلى الرغم من أن الأسعار هناك لا ترتفع فجأة بشكل كبير إلا أنها لا تنخفض أيضا لأن ذلك يؤثر في أسعار القطع والبيوت المجاورة (إلا في حالة أزمة الرهن العقاري عام 2008 التي كانت استثناء).
خامسا: وإن كانت هذه النقطة ليست لها علاقة مباشرة بالمؤشرات العقارية، إلا أن وزارة العدل تستطيع المساعدة في كبح جماح أسعار العقار من خلال تحديد عدد المرات التي من الممكن أن تتداول فيها الأراضي الكبيرة دون تطوير، بحيث تلزم الوزارة مثلا الذي يشتري الأراضي الكبيرة للمرة الثانية أو الثالثة بأن يطور شيئا في الأرض قبل أن يسمح له بانتقالها من ملكيته. الهدف من هذه الخطوة أمران: الأول المساهمة في الحد من الصفقات الوهمية؛ والثاني: ألا يشتري الأراضي الكبيرة خاصة التي داخل العمران إلا شخص ينوي تطويرها واستصلاحها بدلا من حبسها مدة طويلة من الزمن حتى ترتفع الأسعار ومن ثم يقوم ببيعها كما هي.
لا شك أن المؤشرات العقارية خطوة جبارة وجريئة قامت بها وزارة العدل وتحسب لإنجازاتها المتعددة، وتأتي هذه الخطوة لتقدم بها الوزارة المعلومة الحقيقية والواقعية عن السوق العقارية في وقت كثرت فيه المعلومات المغلوطة والمكذوبة في هذه السوق. وتبقى هذه المؤشرات مجرد أدوات لتقييم وقياس الوضع القائم في السوق ولا يمكن التعويل عليها فقط لخفض أسعار العقار ما لم تدعم بخطوات أخرى جريئة تسهم في الرقي في أكبر سوق عقارية في المنطقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي