الإرهاب وبناء الوطن من الداخل

التأكيد على محاربة الفكر الضال المسيء للإسلام والمسلمين وبلاد الحرمين ومهبط الوحي لم يعد ترفا نتحاور حوله ضمن طرح فكري جدلي، إنما أصبح واجبا دينيا وطنيا إنسانيا، ولعل الخطوة المباركة التي اعتمدها خادم الحرمين الشريفين باعتماد مشروع حماية الحدود السعودية من أي تسلل هدم لأراضيها هو خطوة مهمة، وتحتاج - كما ذكرت سابقا - إلى خطوات تكملها من الداخل، حتى نحقق لوطننا الأمن والاستقرار والتنمية التي نرجوها، وكما في مقال سابق إن الصين عملت خلال مائة عام على بناء سورها العظيم لحماية أراضيها من الغزو الخارجي، ولأنها لم تعمل على بناء الوطن من الداخل فإنها تعرضت خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور إلى أكثر من ثلاث غزوات، لم يحتَج فيها الغزاة إلى تسلق السور، إنما عمدوا إلى رشوة حراس البوابات والدخول من خلالها.
لقد حرك المقال مشاعر الجميع، وتم طرح العديد من الآراء حول أهمية حماية الوطن من البيع من كل دخيل عليه بالفعل أو التصرف أو التغيير في أبسط مبادئه وقيمه وعاداته، وكان التركيز على حسن اختيار القيادات والكفاءات الإدارية وغيرها في كل المستويات، بحيث تحقق كل الأهداف الوطنية الحامية للمكتسبات التي حققتها وتسعى لتحقيقها القيادة السعودية بكل أطيافها، وهو أمر لم يعد سرا يتداول في مجالسنا الخاصة، إنما أصبح هما وطنيا، خصوصا مع تداعيات التغير الذي يدور حولنا ويحاك لأخذنا في طوفانه، ومع ما أضيف إليه من مداخلات حول أهمية تعزيز القيم والمبادئ الإسلامية النقية والتأكيد على أهمية الالتفاف حول الوطن وتعزيز الانتماء إليه بالقول والفعل، والتأكيد على أهمية الاهتمام بالعلم وبناء الأجيال الشابة، والدفع بروح العمل المخلص الصالح من أجل وطن سعودي الانتماء وعربي اللسان وإسلامي المعتقد وعالمي الطموح.
هذا الطرح يتطلب جهودا مضنية في كل المستويات وعلى كل الأصعدة حتى نحقق النمو والازدهار والرقي لوطننا الغالي المملكة العربية السعودية، لأن وحدة هذا الوطن مع ترامي أطرافه أقرب للمعجزة التي وفق الله - سبحانه وتعالى - الملك عبد العزيز ورجاله المخلصين - رحمهم الله جميعا - إلى تحقيقها، وتم العمل خلال عقود من الزمان على الدفع به نحو العالم المتحضر، هذا الدفع يتطلب معجزة توازي أو تزيد على معجزة التوحيد، وهي المحافظة عليها وتطويرها بكل الوسائل وبتضافر كل الجهود وعدم السماح لمن يحاول فك أو إضعاف هذه الوحدة التي بنيت على "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله"، واشترطت أن كل مواطن مسلم، وهي نعمة عظيمة إذا عرفنا وأدركنا كل ما يحمله هذا الفكر من بعد تنموي ديني مؤمن ومتمسك وراض بحماية الله - سبحانه وتعالى له، فعلمه لا ينكس، وشعبه جميعهم مسلمون، وقيادة تدفع نحو التطوير المنضبط بالكتاب والسنة اللذين جعلهما المشرع المرجعية لكل بناء، ولهذا فإن حماية هذا الوطن ووحدته من شر كل بائع لوطنه ومن كل الأخطار المحيطة بنا أمر واجب علينا جميعا، الكبير والصغير، الرجال والنساء، المتعلمين وغير المتعلمين، وأي ضعف أو تخاذل من أي واحد منا سيكون السبب في دمار هذه الوحدة المتميزة.
إن فقد الأمان في الوطن أو فقد الوطن ككل - لا سمح الله - ليس بالأمر السهل، وكان البعض يعتقد أن العيش في أي دولة يمكن اعتباره وطنا بديلا، لكن الحقيقة غير ذلك وفق تجارب من عايش مثل هذا الأمر، ومع تغير ديمغرافية المجتمعات والأنظمة وتعقد الأمور أصبح المواطن المهاجر مهاجرا أو مواطنا درجة أقل، ويبقى دائما تحت هاجس عدم الثقة به وبمواطنته، لهذا يبقى الوطن هو الأساس مهما اختلف الواحد مع وطنه فكرا أو رأيا أو بيئة عمل، ولعل في قول الشاعر:
" بلادٌ ألفناها على كل حالة وقد
يُؤْلَفُ الشيء الذي ليس بالحَسنْ
وتُسْتعذب الأرض التي لا هواء بها
ولا ماؤها عذبٌ ، ولكنها وَطَنْ"
فإذا كان هذا هو حال وطن الشاعر ومع ذلك لم يخنه بالقول أو الفعل أو العمل، إنما حافظ عليه وعلى حبه، فكيف بوطن هو مهبط الوحي ومنطلق خاتم الأنبياء وبلد الحرمين الشريفين، ألا يستحق منا جميعا التفكير فيه والعمل على حمايته وفعل المستحيل من أجل جعله في مصاف الدول المتقدمة بالفكر والعمل والعطاء والتميز والاستقرار الأمني والنمو والتنمية الاقتصادية ونحوله إلى جنة استقرار في محيطه المتلاطم بالأحداث الدموية القاتلة والمدمرة لكل شيء.
هنا أعود إلى أهمية حماية الوطن من الداخل والقضاء على كل أسباب الإساءة إليه أو محاولة بيعه بأي مقابل ويعمل على هدمه باسم التطوير أو التغيير أو الديمقراطية أو الحرية أو حتى باسم الدين، وأسأله: هل يمكن شراء وطن بديل؟ لأن ما نراه اليوم من هدم لمقدرات الأوطان وسفك للدماء باسم كل ما ذكر خلال السنوات القليلة الماضية من أفغانستان إلى سورية ومرورا بأغلبية الدول العربية والإسلامية بشكل خاص لا يمكن تعويضه بكل أموال الدنيا، ولهذا فإن إعمال العقل في إعادة الرؤية المعينة على حماية الوطن ومكتسباته أمر ضروري.
إن أهمية المحافظة على مكتسبات الوطن وحمايتها ابتداء من توحيد الوطن المترامي الأطراف ومرورا بالمكتسبات التنموية التي تم تحقيقها خلال ما يقرب من قرن من العمل الجاد حتى ما نحن فيه اليوم من استقرار أمني وتنمية اقتصادية يتطلب البناء على البناء والبعد كل البعد عن الهدم والتدمير، وأن ننطلق من رؤية تنموية إنسانية ومكانية إدارية وفنية متكاملة للحفاظ على البناء واستمراره وعدم الاعتماد على الحظ أو الوقت لحماية مكتسباتنا الوطنية، وكلما تأخرنا أو تراخينا في ذلك دفعنا الثمن غاليا جدا. اللهم احم وطننا الغالي من كل مكروه، وافتح العقول لاستيعاب الأمر وتطوير الأدوات المحققة لذلك، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

وقفة تأمل:
ما في زَمانك مَن تَرجو مَودّتُهُ
إَلا كَريمٌ لِأَبناءِ الكِرامِ صَفا
فَما أَخو اللُؤم لِلحُرِّ الكَريمِ أَخٌ
وَلا صَديقٌ إِذا خانَ الزَّمانَ وَفى
فَعِشْ فَريداً وَلا تَركن إِلى أَحَدٍ
يجزيكَ مِن ثِقَةٍ أَسلَفتَها لَهَفا
أَو لا فَكُن أَبَداً مِنهُ عَلى حَذَرٍ
وَقَد نَصَحتُكَ فيما قُلتُهُ وَكَفى

المزيد من الرأي