فلسطين قضيتنا الأولى رغم أنف العدو
بدا واضحا الآن لكل عاقل، وبما لا يدع مجالا للشك، أن توقيت إشعال فتيل العدوان الإسرائيلي الوحشي الغاشم على أهلنا الأبرياء المرتهنين في قطاع غزة في هذه المرحلة بالذات؛ لم يكن مصادفة، بل كان أمرا مدبرا، وجرى وضعه بعناية، لتحقيق أهداف محددة، على حساب الدم الفلسطيني الطاهر، والبنية التحتية في قطاع غزة، التي تعاني أصلا، كما يعاني الغزيون الأبرياء أنفسهم، من ويلات الحصار غير المبرر، الذي يعد مبررا من وجهة النظر الإسرائيلية والغربية!
فبحسب وكالة الأنباء الدولية "رويترز" فقد "كشف مسؤول كبير في حركة حماس أن الحركة هي التي خطفت بالفعل الشبان المراهقين الإسرائيليين الثلاثة، الذين أثار مقتلهم "بدم بارد" في يونيو سلسلة من أعمال العنف أدت إلى الحرب الحالية في قطاع غزة. وأدلى صالح العاروري وهو مسؤول لـ "حماس" من الضفة الغربية ويعيش في المنفى في تركيا بهذه التصريحات في مؤتمر بإسطنبول "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".. مشيدا بما يصفها بـ"العملية البطولية التي قامت بها كتائب القسام في أسر المستوطنين الثلاثة في الخليل" في إشارة واضحة إلى ضلوع كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس في هذه العملية".. انتهى الخبر.
إذن فقد قامت كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة حماس الإخوانية التي تربطها علاقات وثيقة بطهران- باختيار توقيت اختطاف المستوطنين "المراهقين" الثلاثة، وقتلتهم، وهي التي لا يخفى عليها ردة الفعل الوحشية المتوقعة من العدو الصهيوني، وكأنها "تستحثه" و"تهيجه" وتطلق يديه لقتل الفلسطينيين "بالجملة" في هذا التوقيت تحديدا، تماما كما يُهَيَّج الثور في لعبة مصارعة الثيران قبل الدخول إلى الحلبة ليؤدي الدور المنوط به!
لقد استشعرت السعودية، وهي التي تضع القضية الفلسطينية موضع القلب، استشعرت خطورة الموقف على سلامة وأمن الفلسطينيين، منذ بداياته، وتنبأت بما سيحدث من تصعيد كارثي سافر بحق الشعب الفلسطيني، فبادرت فور اختفاء المستوطنين الثلاثة، إلى محاولة نزع فتيل الأزمة "المدبرة" للحيلولة دون سفك مزيد من الدماء، وسارعت إلى "مناشدة المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الأمن التحرك العاجل والسريع، وأن يضطلع بمسؤولياته، لوقف الإجراءات التعسفية والعقاب الجماعي الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني"، كما سعى بيان المملكة وتحركاتها الدبلوماسية الدولية السريعة، التي تصدرت لها مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية، إلى إيصال رسالة واضحة لا لبس فيها للمجتمع الدولي، تكشف زيف المبررات والذرائع الواهية التي تتذرع بها دولة الاحتلال التي وفرتها -بزعمها- عملية اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، حيث نادت المملكة الضمير العالمي والمجتمع الدولي بضرورة وضع حد للاعتداءات الإسرائيلية الإرهابية السافرة بحق الأبرياء من أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وضرورة التفريق بين البحث والتحري، وبين التعسف والعقاب الجماعي لمن لا وزر له ولا ذنب، في سعي منها لحقن الدماء، ولتضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته التاريخية، ساحبة ومفندة كل الحجج الواهية. وما إن جاءت حادثة الجريمة الوحشية البشعة التي قام بها مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين في حق الطفل الفلسطيني البريء "محمد أبو خضير" -يرحمه الله- الذي جرى خطفه وتعذيبه وقتله بدم بارد ثم حرقه، كردة فعل مزعومة على عملية اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، حتى ازدادت وتيرة الضغوط الدبلوماسية السعودية والعربية، فأيقظت المجتمع الدولي، ووحدته بعد حالة الانقسام، وتبين صحة دعوة المملكة ومن معها من الدول العربية والإسلامية بضرورة التحرك الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي غير المبرر تجاه أبناء الشعب الفلسطيني البرئ، وأن السكوت جريمة إنسانية وتاريخية، وبدت تلك الجهود تؤتي ثمارها، والضغوط الدولية تتصاعد تجاه إسرائيل، متبنية وجهة النظر السعودية والعربية والإسلامية في رفض سياسة العقاب الجماعي التي تنفذها إسرائيل في حق المدنيين الأبرياء، وهو ما أوقع دولة الاحتلال الإسرائيلي في مأزق أمام المجتمع الدولي، ودفعها إلى كبح جماح اعتداءاتها المنفلتة العمياء، ولتعلن القبض على الإرهابيين المتطرفين اليهود الذين ارتكبوا جريمتهم النكراء في حق الطفل "أبو خضير" وبدت الأمور وكأنها تتجه للتهدئة، لكن هذا ما لا يعجب من أشعل فتيل الأزمة، حيث لم تتحقق بعد تلك الأهداف الخفية الرابضة خلف عملية اختطاف وقتل المستوطنين الثلاثة، فإذ بالصواريخ "الحمساوية"، في هذه الأثناء، تنطلق من بين بيوت المدنيين في قطاع غزة بحجة "مقاومة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني"! ولتلتقط إسرائيل هذه الإشارة مرة أخرى لتصعد من عملياتها الوحشية تحت الذرائع الواهية التي تزعم إسرائيل بأن حماس توفرها لها مرة تلو الأخرى، وأنها مجبرة على الدفاع عن نفسها من إرهاب صواريخ حماس!
وأمام هذه الأوضاع المأساوية الجائرة، والحلقة الدموية المفرغة، التي تدور رحاها، من وجهة النظر الغربية، بين قوات الاحتلال من جهة و"الصواريخ الحماسوية" المزعومة من جهة أخرى، وليدفع ثمنها الشعب الفلسطيني الشقيق، لم تقف الدول العربية الكبرى مكتوفة الأيدي، فواصلت المجموعة العربية وعلى رأسها مصر والسعودية والأردن والإمارات والمغرب، جهودها الحثيثة لكشف حقيقة الموقف على الأرض، ولكسب التأييد الدولي للتحركات العربية والإسلامية تجاه الأوضاع، فيما يصب لصالح وقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وتحقيق المتطلبات العادلة للشعب الفلسطيني، التي يقرها القانون الدولي، فتقدمت مصر بمبادرتها للتهدئة بطلب من السلطة الفلسطينية، ولتكون بمثابة خطوة مهمة للوصول لحل نهائي شامل وعادل للقضية الفلسطينية، ودعت المملكة إلى توحيد الصف الإسلامي لمواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم، ونادت إلى الاجتماع الطارئ الثاني الموسع لمنظمة التعاون الإسلامي، حيث فَنّد فيه وزير الخارجية، أمام الرأي العام الدولي، تلك المزاعم والحجج الإسرائيلية الواهية التي ما فتئ يكررها الغرب من أن "إسرائيل لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام "صواريخ حماس" التي تهدد أمن "الشعب الإسرائيلي" وأنه يحق لها اتخاذ الإجراءات اللازمة تحت ذريعة "الدفاع عن النفس" من "إرهاب صواريخ حماس"! حيث رفض تلك المزاعم الواهية التي تتذرع بها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ويرددها الغرب، وكسر تلك الحلقة المفرغة الدائرة بين العدوان الإسرائيلي وعمليات حماس العسكرية على الأرض، حيث أوضح أنه لا يمكن للمجتمع الدولي بحال من الأحوال قبول تلك المبررات، إذ "لا نستطيع مقارنة ما تفعله القوات الإسرائيلية بالفلسطينيين بما تقوم به حماس للدفاع عن الفلسطينيين، في أي شيء، فكيف نقول، إن إسرائيل تدافع عن مواطنيها وهي بالأساس دولة محتلة لفلسطين، وحماس تقوم بأعمال للدفاع عن الأراضي المحتلة، فيما إسرائيل تدعي أنها تحمي أراضيها، وهي تقتل آلاف الفلسطينيين، وتتهم حماس بأنها خطفت بعض الإسرائيليين الذين لا يعلم مكانهم، ويعتبرونها إرهابية! أين العدالة في ذلك؟!
وما هو وجه الشبه بين موقفي الجانبين، وبالتأكيد الموقفان مختلفان، فإسرائيل تريد تشريد الفلسطينيين من أراضيهم للتخلص منهم، كما أن إسرائيل ليس لها الحق للدفاع عن نفسها، إذ لا يوجد قانون في العالم يجيز لدولة محتلة لأخرى أن تدافع عن نفسها، وهذا سخيف، ويشير إلى عدم رغبة في أن يعم السلام المنطقة، ولن نستطيع تحقيق أي شيء في المنطقة ما لم يحل السلام أولا". كلمات قوية، وقعت على الأعداء والمتربصين كالصاعقة التي أحرقت مخططاتهم الخبيثة، وهي خطوة ستليها خطوات تنفذها المجموعة العربية والإسلامية.