خادم الحرمين.. مخاطبا العرب والمسلمين
اللهم إني قد بلَّغت، اللهم فاشهد.. (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون)" بهذه الكلمات ختم خادم الحرمين الشريفين خطابه المفصلي التاريخي للأمتين العربية والإسلامية، فالمصاب جلل، والخطب عظيم.
وباءٌ، زرعه العدو، يجتاح العالم العربي والإسلامي، من مشارقه، وحتى مغاربه، "يحاول اختطاف الإسلام" بهدف "تفريق وتمزيق الأمة، وتشويه صورة الإسلام النقية"، فمن وافقه دخل في الإسلام ــــ بزعمه ــــ ومن خالفه أسبغ عليه النعوت المُكفِّرة، والمخرجة من الملة! إنه فكر وتنظيم الإخوان المسلمين، أس الإرهاب، ومنبع الفتنة، وأداة العدو لتفتيت الأمة.
هذا الفكر الخطير، الذي ظل يتغلغل في المجتمعات الإسلامية متخفياً بعباءة نحبها ونعشقها جميعاً، بل نبذل لأجلها الغالي والنفيس، إنها عباءة الدين الإسلامي الحنيف، والتي لم تكن سوى كبسولة تناسبنا نحن معشر العرب والمسلمين، لخداعنا، وليتستر بها هذا الفكر الشيطاني الهدام، الذي أراد عرابوه لينفذ ويدخل للعمق، من خلال كبسولة الدين، وليتمكن من جسد الأمة شيئاً فشيئاً كالسرطان الخبيث، عبر "التعليم" و"الإعلام" و"العمل الخيري" و"الدعوي"، ليتلون بعدة أشكال، ومسميات، محاولاً إخفاء كنهه، وماهيته الحقيقية المتطرفة، ساعياً لاجتذاب أكبر قدر ممكن من الرهط والأتباع والمُغرَّرين من الجماهير العربية والإسلامية، فالحشد مطلوب، والجماهيرية الغوغائية هي الأساس، وليس أفضل من الثلاثي "التعليم، والإعلام والدعوة، والعمل الخيري" لتحقيق هذا الهدف. فنجده، وعلى سبيل المثال، قد تمكن من جامعات بأكملها في أقاصي الشرق الإسلامي، كما هو الحال في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا، والتي أضحت مرتعاً خصباً لحركيي هذا التنظيم الدولي المتطرف، أو تغلغل داخل بعض المنظمات والجمعيات الدولية الإسلامية، وخاصة الشبابية والطلابية منها، كما نجده في مكانٍ آخر من العالم قد تحول إلى طور أكثر وحشية، كما هو تنظيم القاعدة، الخارج من رحم هذا الفكر الإخواني الفاسد، ومشتقات القاعدة كجبهة النصرة وداعش، وقد نجده اتخذ وضعية أكثر حداثة، كما في المغرب العربي، حيث حزب النهضة في تونس، أو أكثر مرونة وتخفياً وتغلغلاً وانتشاراً، كما هو الحال هنا في المملكة، والهدف واحد، تمكين هذا التنظيم الإرهابي الدولي، عبر نشر الفكر التكفيري النتن المخبث، فكر الثلاثي "حسن البنا، وسيد قطب، وأبو الأعلى المودودي" بين أوساط المجتمعات الإسلامية، لاستلاب الوعي، وفرض السيطرة على القلوب والعقول، وليتحكم هذا التنظيم العميل من خلال الدين، وباسمه، وباسم الله ـــ تعالى الله وتقدّس وتنزّه ــــ بالشعوب العربية والإسلامية.
إنها محاولة ماكرة لاستنساخ ما كانت عليه الكنيسة في العصور الوسطى، إنها محاولة قذرة لاختطاف الدين الإسلامي الحنيف، وتغييب العقول، وقلب الحقائق، ووسم المجتمعات المسلمة "بالكفر" و"الردة" و"محاربة الله ورسوله" ما لم تلتحق بركب هذا التنظيم، وتنضوي تحت عباءته، وتأتمر بأمره ونهيه!
هذا التنظيم الإرهابي الدولي الخفي والذي أضحت له أجهزته ومؤسساته وأدواته، وليشكل حكومات ظل في عدة بلدان عربية وإسلامية، إنه أقرب للتنظيمات الماسونية، بطريقة عمله وتغلغله وسريته وانتشاره! وليصبح "الإسلام" رهينة بيد الزمرة الإرهابية العميلة، وليضرب العدو من خلاله عصفورين بحجر، تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وخلق الحروب والتقاتل والتناحر داخل الدول العربية والإسلامية، تنفيذاً للمشروع الجهنمي المسمى بـ "الفوضى الخلاقة" والتي سبق أن وصفها خادم الحرمين الشريفين بـ "فوضى الضياع" للأمتين العربية والإسلامية، وليهيئ هذا التنظيم وهذا الفكر ودعاته، دعاة الفتنة، الأرض الخصبة لها لتجتاح العالمين العربي والإسلامي، هذه الفتنة التي جاء خطاب حكيم الأمة، خادم الحرمين الشريفين، ليحذر منها، بعد أن توهم مريدوها بأنه "اشتد عودهم، وقويت شوكتهم، فأخذوا يعيثون في الأرض إرهاباً وفساداً، وأوغلوا في الباطل كاتمين ومتجاهلين قول المقتدر الجبار: "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق".. إنها كلمات خارجة من قلبٍ ملؤه الإيمان والثقة بالله ــــ جل وعلا ــــ، بأنه الحافظ لهذا الدين العظيم من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، ولتدور الدائرة على الظالمين. كلمات خرجت موقنة بنصر الله، وليُعلي كلمته ولو كره المجرمون، ولو كره "المغرضون الحاقدون على أمتنا"، الذين أرادوا التسويق للإرهاب وتمكينه وربطه بالإسلام، وليقوم "هؤلاء الإرهابيون ـــــ باسم الدين- بقتل النفس التي حرم الله قتلها، والتمثيل بها، والتباهي بفعلهم ونشره" لقد أراد العدو بذلك "تشويه صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وليلصقوا به كل أنواع الصفات السيئة" بأفعال هؤلاء الإرهابيين "وطغيانهم وإجرامهم، فأصبح كل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظن أن ما يصدر من هؤلاء الخونة يعبر عن رسالة نبي الرحمة ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ الذي قال عنه تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وهذه أحد أهداف العدو، والتي سعى لاستثمارها في الأحداث الجارية في فلسطين حيث "المجازر الجماعية، لم تستثن أحداً، والجرائم ضد الإنسانية دون وازع إنساني أو أخلاقي" "تحت سمع وبصر المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، هذا المجتمع الذي لزم الصمت مراقباً ما يحدث في المنطقة بأسرها، غير مكترث بما يجري، وكأن ما يحدث أمر لا يعنيه، هذا الصمت الذي ليس له أي تبرير، غير مدركين بأن ذلك سيؤدي إلى خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضاً السلام، ومؤمناً بصراع الحضارات لا بحوارها"، وهنا أقول، فلنفتش عمن لا يريد السلام، عمن يؤمن و ينادي بصراع الحضارات. نعم هذا هو الهدف، وأد مشروع حوار الحضارات الذي دعى له خادم الحرمين الشريفين، وعمل لأجله، في مواجهة مشروع "صراع الحضارات" التدميري، تماماً كما بادر للدعوة إلى إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، والذي حظي بتأييد شكلي، لم يرق للتفاعل الجدي بين الدول، وهنا يجدر بالأمة العربية والإسلامية، وهي المعنية بهذا الخطاب، شعوباً وحكومات، علينا جميعاً أن نتلقف الخطاب بما يستحقه من اهتمام، ولنلبي داعيه، ونتفاعل معه برص الصفوف، ومواجهة دعاة الفتنة، والإرهاب، كل من موقعه، وبكل قوة وحزم وعزم، فالقضية وجودية، والإرهاب لا يفهم إلا لغة الاجتثاث، وإلا فالندم، ولات ساعة مندم، والله غالب على أمره، وحافظ دينه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.