Author

التمويل الاستهلاكي المحدث .. وضوح وحماية للحقوق

|
أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي "ساما" أخيراً، التحديث الأول لضوابط التمويل الاستهلاكي لتحل محل الضوابط القديمة الصادرة عن المؤسسة في عام 2005. ومن بين أبرز الأسباب التي دعت لتحديث تلك الضوابط، حرص مؤسسة النقد على مواكبة المتغيرات والمستجدات العالمية، التي طرأت على التمويل الاستهلاكي ورغبة منها لتطبيق أفضل الممارسات العالمية Best Practices في هذا الشأن، وبالذات فيما يتعلق بتعزيز معايير الشفافية والإفصاح، إضافة إلى توفير المزيد من الحماية لحقوق العملاء المتعاملين مع جهات التمويل المختلفة التي تشرف عليها المؤسسة، بما في ذلك المصارف التجارية العاملة في المملكة. ومن بين الأسباب الداعية أيضاً للتحديث تسهيل المقارنة على العملاء بين المنتجات، التي تقدمها جهات التمويل المرخصة من المؤسسة واختيار الأنسب منها. ومن أبرز المعايير التي تضمنتها الضوابط المحدثة للتمويل الاستهلاكي، حسب ما ورد في البيان الصادر عن مؤسسة النقد، التأكيد على مبادئ الشفافية والإفصاح في الإعلان عن المنتجات وتسويقها، ووضع حد أدنى للبيانات الواجب توافرها في عقود التمويل الاستهلاكي، مع تقديم ملخص لعقد التمويل يتضمن معلوماته الأساسية وبلغة واضحة. ومن بين المعايير كذلك، وضع معايير لطريقة احتساب معدل النسبة السنوي Annual Percentage Rate، وهو المؤشر العالمي المتعارف عليه للإفصاح عن التكلفة الفعلية للتمويل، والذي يدخل في حسابه تكلفة التمويل والتكاليف الأخرى كالرسوم الإدارية، وذلك بهدف تمكين المستهلك من معرفة التكلفة الفعلية للتمويل ومقارنة أسعار المنتجات المختلفة بسهولة وشفافية. ومن بين المعايير المهمة التي تضمنتها الضوابط المحدثة، تلك المرتبطة بحالات السداد المبكر، للتأكيد على حق المقترض بتعجيل سداد المتبقي من مبلغ التمويل دون تحمل تكلفة الأجل عن المدة المتبقية من العقد، مع وضع حد أقصى للتعويض الذي تستحقه جهة التمويل في مثل هذه الحالات، والتي حددتها المادة الحادية عشرة بالضوابط، التي نصت بوضوح على أنه من حق جهات التمويل أن تتقاضي التعويض عن تكلفة إعادة الاستثمار بما لا يتجاوز الأجل للأشهر الثلاثة التالية للسداد محسوبة على أساس الرصيد المتناقص، إضافة إلى ما تدفعه جهات التمويل لطرف ثالث بسبب السداد المبكر عن المدة المتبقية من العقد في حال عدم إمكانية استرداد تلك النفقات، شريطة أن توثق حسب الأصول في ملف المقترض. كما تضمنت تلك الضوابط معايير تتعلق بالرسوم وتكاليف الخدمات الإدارية، ووضع حد أقصى لتلك الرسوم وتكاليف الخدمات الإدارية التي تُحصّل من المقترض، بحيث لا تزيد على نسبة 1 في المائة من مبلغ التمويل أو خمسة آلاف ريال، أيهما أقل. وتضمنت تلك الضوابط كذلك معايير تتعلق بأسلوب التعامل مع المقترض خلال فترة التعاقد، حيث قد حددت المعايير وألزمت جهات التمويل بضرورة إشعار المقترض بالتغييرات التي قد تطرأ على العقد وأخذ موافقة المقترض في الحالات التي تستدعي ذلك، إضافة إلى ضرورة الالتزام بالسلوكيات المهنية في ممارسات تحصيل الأقساط المستحقة والمتأخرة، بما في ذلك وضع الإجراءات والقواعد المنظمة لتسوية ما قد ينشأ من نزاعات بطريقة عادلة وشفافة. أخيراً وليس آخراً، فرضت الضوابط المحدثة للتمويل الاستهلاكي، على جهات التمويل ضرورة أن ينص عقد التمويل في احتساب تكلفة التمويل على أساس القسط المتناقص، حيث يتم توزيع تكلفة الأجل تناسبياً بين الأقساط على أساس قيمة الرصيد المتبقي من مبلغ القرض في بداية الفترة التي يستحق عنها القسط وليس على كامل مبلغ القرض بصرف النظر عن قيمة الأقساط المسددة أو الرصيد المتبقي من القرض. وهنا لزم التوضيح، أن احتساب تكلفة التمويل بطريقة الرصيد أو القسط المتناقص، لا يعني بالضرورة وكما يعتقد البعض أنها ستخفض من تكلفة التمويل النهائية مقارنة بالوضع السابق، باعتبار أنه من حق جهة التمويل تغطية تكلفة التمويل وتكلفة الخدمات الإدارية الأخرى ضمن الحدود التي حددتها الضوابط، بمعنى آخر أدق وأوضح أن جهات التمويل قد تلجأ إلى رفع معدل النسبة السنوي الـ APR، بما يمكنها من تغطية تكاليف التمويل وتحقيق الأرباح المستهدفة، ولكن بطبيعة الحال سيحكم هذا الأمر بنهاية المطاف، وبالذات تحديد معدل النسبة السنوي عدة اعتبارات من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تكلفة التمويل، وعوامل المنافسة والسوق ومدى رغبة جهة التمويل في التوسع في محفظة التمويل الاستهلاكي من عدمه. ولكن وعلى الرغم من ذلك، لعله من المهم جداَ الإشارة إلى أن طريقة أو آلية الاحتساب لمعدل النسبة السنوي، ستكون موحدة بين جهات التمويل المختلفة رغم تفاوت قيمتها النهائية، مما سيسهل على العميل "المقترض" المقارنة بين جهات التمويل المختلفة واختيار الأنسب منها لظروفه واحتياجاته المالية. خلاصة القول، إنه دون أدنى شك، أن التحديث الأخير لضوابط التمويل الاستهلاكي، والذي قد أعطت المؤسسة مهلة للبنوك والمصارف المرخصة لاتخاذ جميع ما يلزم لتطبيقها على عقود التمويل الاستهلاكي الجديدة وليس على العقود القديمة بأثر رجعي، في موعد أقصاه 16 أيلول (سبتمبر) من العام الجاري، ستسهم بفاعلية في تعزيز مبدأ الشفافية والإفصاح إلى جانب إضفاء المزيد من الحماية لحقوق المقترضين. ولكن سيظل نجاح ذلك التحديث لتلك الضوابط وتحقيقها للأهداف المنشودة منها، أمراً مرهوناً بقراءة العميل "المقترض" لعقد التمويل بعناية والتعرف على تفاصيله وبالذات ملخص العقد، الذي يتضمن المعلومات الأساسية عن التمويل، بحيث يتمكن من المقارنة بين العروض المختلفة واختيار الأفضل من بينها بالشكل الذي يتناسب مع رغباته واحتياجاته وإمكاناته المالية.
إنشرها