في منزلي دكتورة
منذ أيام كنت موجودا في البحرين الشقيقة لحضور حفل تخريج دفعة من كلية الطب في جامعة الخليج، والدعوة الموجهة لي بصفتي ولي أمر إحدى الخريجات ابنتي "سما"، وبعد وصولي إلى مكان الحفل توجهت إلى مدير عام جامعة الخليج الدكتور خالد العوهلي، الذي بدا وهو واقف يستقبل المدعوين لهذا الحفل بابتسامة عريضة وفرحة كبيرة، كونه أبا لجميع الخريجين والخريجات، وبعد أن أخذت مكاني في الحفل وقبل أن يبدأ عريف الحفل بتقديم الفقرات، عادت بي الذاكرة سنين طوالا حينما كانت ابنتي سما طفلة صغيرة تلعب بأدوات الطبيب البلاستيكية وهذه هوايتها المفضلة، حيث تضع سماعة الطبيب على أذنيها وتمسك بميزان الحرارة وتضعه في أفواه أخواتها وكأنها الطبيبة وهم المرضى، وتمضي السنون وتكبر سما ويبدأ مشوارها الأول نحو دخول كلية الطب في جامعة الخليج، وتمضي أيضا السنون الست بين الجد والاجتهاد والتعب والسهر طوال الليل والكفاح بالنهار حتى تحقق الحلم بتوفيق من المولى ـــ عز وجل ــ ثم الإصرار على تخطي العقبات وما تابعها من ذهاب وعودة إلى البحرين في اليوم نفسه، وجاءت اللحظة التي وضعت سما سماعة الطبيب الحقيقية على أذنيها بدلا من البلاستيك، وأصبح في منزلي دكتورة.
جامعة الخليج كرست كل جهودها لخدمة طلابها من توفير أساتذة واستشاريين من كبار الأطباء من دول العالم الذين أتوا كي يعلموا طلبة هذه الجامعة كل جديد في عالم الطب. وكان تنظيم الحفل رائعا وكان الحضور متميزا وفي أثناء قراءة أسماء الخريجين والخريجات انطلقت الزغاريد ممزوجة ببكاء الفرح من أمهات الخريجات، وتزينت صالة الحفل بأنواع من البالونات كتب عليها أسماء الخريجين والخريجات، أما كلمة الخريجين التي ألقتها نيابة عنهم زميلتهم "حفصة بوجبيلي" كانت مؤثرة للغاية، حيث أذهلت الجميع من خلال كلمتها الرائعة.
وكان للحضور الرسمي لهذا الحفل من سفراء دول مجلس التعاون والقناصل المعتمدين أكبر الأثر في نفوس أهالي الخريجين، الذين شملتهم جامعتهم جامعة الخليج وهم من أبناء السعودية والبحرين والكويت والإمارات وعمان، كان لوجودهم فرحة خاصة من قبل أهالي الخريجين، ولم ينس مديرو جامعاتنا حضور هذه المناسبة، فكان لوجود الدكتور عبدالله الربيش مدير جامعة الدمام، أثر طيب لدى الخريجين والخريجات من السعودية، كون بعضهم سيكون طبيبا أو طبيبة في مستشفى الملك فهد الجامعي في المنطقة الشرقية، الذي تشرف عليه جامعة الدمام.
وكانت لحظة تلاوة القسم الذي تلاه عميد كلية الطب وردده الخريجون والخريجات، كانت لحظات حاسمة لديهم بأنهم يقسمون بالله العظيم على تحمل المسؤولية الملقاة على عواتقهم، وهي إنقاذ حياة البشرية ومكافحة المرض. هذه اللحظات التي وضعت كل خريج وخريجة في موضع تحمل الأمانة الملقاة على عواتقهم، ومن خلال تلاوة القسم، كان الجميع ينظر إلى وجوه أبنائهم وهم يرددون القسم وقد امتلأت أعينهم بدموع الفرح. هذه اللحظات التي طالما تمناها الجميع وانتظروها ست سنين وكأنها 60 عاما مرت مع سنين صعاب، ولكن بعد الزرع حان وقت القطاف، هكذا كانت هذه اللحظات الجميلة التي أصبح بعدها الخريجون يتصافحون ويسلمون على بعضهم بعضا بعد أن جمعتهم البحرين الحبيبة ست سنين، بعدها كل منهم سيذهب إلى حياته العملية، وأصبح الجميع ينظرون إلى بعض وكل واحد منهم في منزله طبيب أو طبيبة.